الاقتصاد المصري بعيون عربية

 

فوزي عمار *

للمفكر الليبي الصادق النيهوم وجهة نظر؛ وهي أنَّ سبب خسارة مصر في حربها مع إسرائيل قبل أن ترُد بانتصار العبور، كان وراؤه انفتاح إسرائيل على كل بنوك الغرب في ذلك الوقت، ومحاصرة مصر ماليًّا من قبل الدول الكبري.

لقد زود الغرب من معظم بنوكه خطوطَ إمداد مالية مفتوحة سبَّبت في النهاية عدم قدرة مصر على مجاراة العدو الإسرائيلي.

محاصرة الغرب لمصر ماليا وعسكريا شكلتْ قيدًا على مواردها التي أصبحت محدودة في مواجهة بنوك الغرب وبنيته المالية الضخمة.

وجهة نظر النيهوم مهمة، خاصة ونحن نعرف أن شجاعة الجندي المصري والعربي لا تختلف عن غيره، بل ربما أكثر.. فعندنا الشهادة إحدى الحسنيين.

اليوم هذا ما يُمكن وصفه فيما تعيشه مصر اقتصاديا بعد اعتراف العالم بمصر كقوة إقليمية لا يمكن تجاوزها؛ حيث فتحت أمريكا والصين وأوروبا وروسيا بنوكها بعد حالة الاستقرار التي تشهدها مصر مؤخرا في خط تمويل لشركاتها لتسثتمر في مصر بعد ارتفاع التصنيف الائتماني وفق المؤسسات المالية العالمية؛ مثل: ستاندرد آند بورز، وفتش.

لقد كتبتُ مقالا في يونيو 2014 نشرته صحيفة العرب اللندنية بعنوان "العبور الثاني لمصر"، بعد التخلص من حُكم الإسلام السياسي المتمثل في الإخوان، الذي خرج فيه أكثر من ثلاثين مليون مصري للشارع.. أشرت فيه إلى أنَّ الحالة المصرية تستعد للانطلاق للأفضل وتتجه للاستقرار بعد استعادة المؤسسة العسكرية للحالة الأمنية وأن التحدي القادم هو المشروع الاقتصادي.

وهذا ما حدث وكانت البداية في غاية الأهمية، وقد نجحت نجاحا باهرا وهي مشروعات الكهرباء -خاصة محطات شركة سيمنس الألمانية، وهي قرابة 14 ألف ميجاوات غير مشروعات الكهرباء بالفحم والرياح والطاقة النووية.. فلا نهضة بدون صناعة ولا صناعة بدون كهرباء.

وقد عِشنا تجربة مريرة في ليبيا والعراق، وهما دولتان نفطيتان عجزتْا عن حل مشكلة الكهرباء لسنوات حتى الآن.. بينما مصر ستبدأ تصدير الكهرباء بعد شهر واحد (مارس 2019) لدولة السودان.

مشروعات مصر في الطاقة لم تقتصر على الكهرباء فقط، بل أيضا في المصافي البترولية والمجمعات البتروكيماوية؛ فقريبا ستفتح مصفاة "مسطرد" بتكلفة 5 مليارات دولار، وسيبدأ العمل في مجمع البتروكيميوات في العلمين بقيمة 10 مليارات دولار، ومصفاة التحرير على البحر الأحمر بقيمة 15 مليار دولار هذا عدا مشروعات الغاز مع شركة إيني الإيطالية؛ مما سيجعل مصر مركزا إقليميًّا للطاقة بدون شك.

كما أن شبكة الطرق العملاقة التي اعتمدتْ على المواد المحلية والعمالة المحلية وشركات القوات المسلحة مع القطاع الخاص تُمثل شريانا للحياة في الجسد المصري يربط الدولة ويجعلها في حالة تشابك ووصول سهل ويسير للمسافرين والبضائع.

خطط التوجه للاستثمار المدروس بدلا من الأقراض الذي لا يُراكِم ديونًا تؤثر في التصنيف الائتماني؛ فلا خطابات ضمان سيادية، بل استثمار أجنبي مباشر؛ تشكل عامل نجاح على المستوى القريب والبعيد.

وها هي هذه الأيام وزارة المالية تطلق بيع سندات بقيمة 4 مليارات دولار في الأسواق الدولية.. المناطق الصناعية الروسية والصينية تضمن مشاركة شركات دولية مهمة ومشاريع سوف تستوعب العمالة وتقلص البطالة، وسوف تشجع التنافس وتخلق مناخا استثماريا صحيا جاذبا.

والعديد من الاستثمارات في مجال الزراعة والصيد البحري بمليارات الدولارات؛ فمع استثمار كل مليار دولار يوفر من 6 آلاف إلى 8 آلاف فرصة عمل جديدة حسب المشروع، واستعمال التقنية المعتمدة على الربوت الآلي أم البشر، والأخيرة ما تحتاجه مصر الآن.

التحدي الآن الذي تواجهه الحكومة المصرية هو أسعار وتكاليف الاستهلاك اليومي التي ارتفعتْ جراء عمليات الجراحة للجنيه المصري؛ لذا وجب الاهتمام ببناء شبكات الأمان الاجتماعي، والمحافظة على تخفيض الزيادة في النمو السكاني المبالغ فيه عبر سنوات مضت، وهو تحدٍّ آخر.

فالشعب الذي اصطف وراء المشروع حيث الاصطفاف الشعبي هو أحد أسباب النجاح لأي مشروع وطني.. لقد جمع الشعب المصري 64 مليار جنيه في 8 أيام  في ملحمة تاريخية لمشروع قناة السويس الجديدة. وسينجح في تحديات لاحقة.

المشاريع الكبري تحتاج إلى نقلات نوعية كبري تكون موجعة علي الشريحة الضعيفة وهي ستكون مؤقتة وستؤتي أكلها قريبا، خاصة وأن نسبة النمو ارتفعت من 1% في 2014 إلى 5.3% في 2018 فمع كل درجة واحدة في ارتفاع في المؤشر توفر أكثر من 500 ألف فرصة عمل. وهذا ما صرحت به كرستين لاجارد المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، قبل سنة؛ حين قالت: مصر مرت بكبوة بعد 2011، والشعب المصري وقيادته أثبتوا شجاعة فائقة بقرارات إصلاحية بدأت نتائجها الإيجابية تظهر بتدفق الاستثمارات وزيادة الاحتياطي النقدي وزيادة عدد المشروعات وارتفاع معدل النمو وانخفاض التضخم.

‏وأضافت لاجارد: عندما نرى آثارَ التضخم تتقلص وتزيد الاستثمارات مع الاستقرار؛ فإنَّ هذا يخلق وظائف جديدة بالتوازي مع تنفيذ مشروعات اجتماعية ووصول النمو إلى 5%، فإن هذا يعني أن مصر اجتازت المرحلة الصعبة.

أخيرا نقول.. إنَّ انفتاح الأسواق المالية العالمية على الاستثمار في مصر دليل ومؤشر على أن مصر أصبحت شريكا إستراتيجيا للكبار من أمريكا والصين وروسيا وأوربا؛ فالتوجه للاستثمار في منطقة ما من العالم دليل قوي على صدقية التوجه وليس فقط للاستهالاك السياسي أو البروباجندا الإعلامية، بل توجه أصيل مدعوم بالعملات الصعبة.

أنا هذه الأيام في زيارة للقاهرة واستمعت لعدد من الخبرات في مجال التخطيط في المعهد القومي للتخطيط وقد طرحوا فكرة التخطيط بالمشاركة، وهي أحدث ما توصَّل له العلم في هذا المجال؛ فمصر لا تنقصها الخبرات ولا الموارد البشرية المبدعة والماهرة المنتشرة في معظم جامعات العالم المرموقة والشركات الدولية الكبري.

على المستوي السياسي مصر التي تترأس الاتحاد الإفريقي هذا العام وتتحالف مع السعودية والإمارات وتدعم ليبيا وتتطابق رؤيتها مع فرنسا يجعل دورها القيادي في إفريقيا يرجع للريادة مجددا وقريبا جدا.

 

* كاتب ليبي

تعليق عبر الفيس بوك