من يكتفي قد يختفي

 

ربا جمال الشنفرية

عندما تتوقف عن العطاء فتقف في نقطة معينة وتفضل الانسحاب على إكمال المسيرة فأنت هنا تبدو أشبه بمن يركن عربته على طرف ليتفرج على السيارات الأخرى وهي تتسابق بسرعة هائلة على الطريق السريع!

نحن اليوم لم نعد في زمن عادي بل أصبحنا في زمن يتسابق فيه الناس على علو المراتب وكل شخص يبحث بكل ما لديه من قوة عن أفضل مكان يمكنه الوصول إليه، فتخيل معي أنك على سبيل المثال كنت تدرس وتوقفت في مرحلة دراسية ما وشعرت بالاكتفاء أو أنك تعمل في وظيفة ما ولا تسعى لتطوير نفسك فأنت تجد أن مكانتك مرتفعة ولا تحتاج لأكثر من ذلك، فإذاً استعد للانحدار فالمرحلة التي تلي الاكتفاء عن السعي إلى أمر ما هي الانحدار أو السقوط التدريجي من أعلى القمة، فإن كنت تشعر دائماً بأنك في القمة ولا حاجة لك بزيادة في التعليم أو العمل أو الابتكار أو التفكير فأنت أقرب إلى التلاشي، نحن في هذه الحياة نعيش كل يوم على أمل ونصحو كل صباح بأمل جديد وفكر للتطوير والحصول على الأفضل، فإن كنت تشعر بالاكتفاء فهذا يعني أن تفكيرك أوصلك إلى نقطة مسدودة وعقلك أوحى لك بأنك وصلت إلى القمة المرجوة ولكن احذر ثم احذر من هذا الشعور فاكتفاؤك هو بداية تراجعك وتوقفك عن الإنتاج والإبداع والتَّقدم.

زمننا الحالي هو ثورة من التكنولوجيا وثورة هائلة كذلك في العقول البشرية فإن لم تحجز مكانك بينهم بثبات وإن لم تبق تحارب من أجل بقائك واسمك ستختفي بلا شك!، الاكتفاء هو أمر رائع عندما يتصل بالرضا وشكر الله على ما أعطى وعدم التمرد والعصيان ولكن ماعدا ذلك فالاكتفاء في مجالات الحياة المختلفة قد يبدو مرعباً فنحن ما أن نقف في نقطة ما حتى تبدأ أسهمنا بالتراجع..

جذبتني بعض الأقوال الجميلة عن الطموح المتواصل على إحدى صفحات الإنترنت فيقول فيها كينيث كواندا: "لا نهاية للطموح"، ويقول جبران خليل جبران: "إنما القصد من الوجود الطموح إلى ما وراء الوجود"، ومن أجمل ما قرأت مقولة إيماوند بورك عندما قال: "الطموح يمكن أن يصل إلى أي ارتفاع كان" ، إذ ليس للطموح والسعي سقف ولا يمكن أن يقف الطموح أمام العقبات إلا إن قررنا نحن الانسحاب والجلوس في مقاعد المتفرجين، جماليات الحياة تكمن في انتظار تحقيق أمر ما أو على أمل الحصول على شيء معين، فإن فقدنا هذا الشعور وأقنعنا أنفسنا بأننا اكتفينا من كل شيء تماماً ستبدأ بداخلنا مرحلة الملل والفتور والتراجع التلقائي شيئاً فشيئاً حتى نصل إلى القاع فنحن مهما وصلنا إلى علو في المكانة أو المنزلة إلا أننا نحتاج للعزيمة والطموح للحفاظ عليها والتقدم والرقي بها فإن اختفت هذه المشاعر اختفى نجمنا تلقائياً.

rubatijamal@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك