يوميات زائر لعمان (6)

عبد الرزاق بن علي

كانت الليالي الجميلة لملتقى عُمان الشعري تمر سريعًا على وقع بحور الشعر وليالي مضائف كرام العرب العمانيين في مُختلف المناطق المحيطة بالمصنعة. وكنت احتار بين الانحياز لسحر الشعر وقوافيه وبين لقاء الأحباب في الفسحات الجميلة. انقضت ليالي الملتقى وحان موعد الرحيل عن بلدة المصنعة موطن الخليل بن أحمد الفراهيدي وعن منتجعها السياحي الفخم المطل على بحر عمان. كان صباحا جميلا معطرا بتبادل أمنيات اللقاء في المناسبات القادمة مع الشعراء وبنكات الشاعر مطر البريكي الذي ودعني بأناقته المعهودة بعبارات باللغة الفرنسية وبوصول أخي وصديقي الهادئ الخلوق سالم النعماني من الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الذي حرص على إكرامي بالحضور بنفسه لمقر إقامتي لاصطحابي إلى مسقط ... صلينا الجمعة في مسجد جميل وكنت أول مرة أحضر خطبة للجمعة في عمان. لم يُثقل الإمام على المصلين بخطبة طويلة محنطة وكان خطابه هادئاً رصيناً دون غلو أو تطرف في مسائل تهتم بجوهر الدين والشريعة السمحة. ورافقت الأخ سالم بعد أن دعانا لغداء خفيف لمهرجان للهجن. فلأهل عمان وسائر بيوت العرب عشق قديم للإبل والخيل.. كما أنهم يتفاخرون بامتلاك أفضلها سلالة. ويعودون أبناءهم منذ الصغر على امتطاء ظهورها. في ميدان السباق على شاطئ البحر كانت النوق والجياد تقرع الأرض بخفافها وسنباكها منصاعة طوعًا لفرسان أحداث يعشقون ركوبها وترويضها. في حين يجتهد المربون في انتقاء أفضلها لشرائها بأثمان خيالية ...

دعاني الأخ سالم مشكوراً لبيته للعشاء واعتذرت لإحساسي بالإرهاق والتعب والتمست منه التوجه للنزول في مسقط ولكنه أصر على تناول قهوة في المنزل. استقبلنا أخواه في المجلس الفسيح بترحاب على عادة أهلنا الطيبين في عُمان وأمضيت معهما ساعة رائقة قبل أن أودعهم على أمل اللقاء صباح الغد من أجل الذهاب في جولة مع مُضيفي لمدينة نزوى بيضة الإسلام. فرغم التزاماته المهنية والعائلية إلا أنه أبى إلا أن يكرمني بصحبته كامل يوم إجازته الأسبوعية ... كان الأخ عبد الله موظف الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون العمانية على الطريق السريع الذي ترتفع على جانبيه أعلام عمان بشموخ يحدثني عن عادات أهلنا الطيبين في بلده وعن شوقه لزيارة تونس في حين كانت الرسائل تصلني من إخوتي في صلالة يدعونني لزيارتهم ..خالطني مزيج من الشعور بالامتنان والحزن معاً ليقيني بعجزي عن رد جميل الأخ سالم وكل من أكرمني بشكل مناسب .

وصلنا مسقط بعد الغروب وكانت تودع يوم الجمعة بحلة خضراء جميلة ونظيفة، فقد نالت لقب أنظف العواصم العربية مرارا. وكان النزل الفخم الذي تقع فيه غرفتي يحاذي مجمعًا تجاريًا ضخمًا يزيده أنسا إضافياً. وحين خرجت للقيام بجولة في المجمع بعد وضع حقيبتي في الغرفة اعترضتني أشهر العلامات التجارية وأثمنها من وراء زجاج واجهات المغازات التي تمنحها الإضاءة بريقاً وجاذبية.

تعليق عبر الفيس بوك