مرتكزات تطوير الأداء المؤسسي

غازي الخالدي

في عالمٍ مُتسارع النمو والتطور التكنولوجي، يؤثر واقع المؤسسات الحكومية؛ كونها ركيزة أساسية في أوجه التنمية المختلفة التي تشهدها البلاد، وتربطها علاقة طردية مع تطور التنمية الشاملة؛ فإذا تطورت المؤسسات انعكس إيجابا على مجالات التنمية.

وفي خضم ما يشهده العالم من ثورة معلوماتية وتسابق الدول نحو تعزيز كفاءة مؤسساتها، بما ينسجم مع تطلعات تلك الدول ورغباتها، تدور في الأفق مجموعة من الأسئلة تبحث عن إجابات، وهي: ما هي المرتكزات الأساسية لتطوير الأداء المؤسسي؟ وما هي معايير قياس الأداء؟ وهل تختلف المعايير من مؤسسة إلى أخرى؟ وكيف تحقق المؤسسات الفاعلية المطلوبة من حيث الأداء الداخلي؟ وما هي المعوقات التي تقف أمام الجهات في سبيل تحقيق أهدافها ورؤيتها؟ تلك الأسئلة موضع نقاش دائم على المستوى المحلي لأن العالم يشهد تطورا كبيرا في طرق الإدارة والإنتاج وطفرة معلوماتية واضحه للعيان، ويتطلب ذلك أن تواكب كل المؤسسات التطور، وتجاري التقنية الحديثة وتسخرها لخدمتها.

إنَّ أهم المرتكزات الأساسية التي تعتبر أعمدة تطوير الأداء المؤسسي هي: الموارد البشرية، وثانيا: التطوير الإداري ويتضمن الأداء الداخلي، وثالثا: التخطيط السليم.. وبداية، فإنَّ الحديث عن الموارد البشرية في بعض المؤسسات في السلطنة حديث ذو شجون حيث إن الموارد البشرية إذا وجدت بيئة العمل الجيدة التي تستخدم أفضل الممارسات الإدارية القائمة على أسس منهجية علمية والتدريب والتأهيل العلمي المدروس بما يعزز من قدراتها زادت إنتاجيتها وفعاليتها؛ وبالتالي انعكس أثره على المؤسسة، بيد أن خطط التدريب والتطوير الحالية في الكثير من المؤسسات لا تزال تعاني من ضعف كبير من ناحية جودة البرامج المقدمة، وما يتوافق مع المسار الوظيفي واحتياجات العمل، أيضا محدودية البرامج المطروحة وندرتها وما يترتب على ذلك من قصور في تطوير المعارف والمهارات لدى الموظف، كما أن الخطط والإستراتيجيات التدريبة غائبة وبصورة كبيرة؛ مما يجعل النتائج المرجوة من التدريب تراوح مكانها. وفي المقابل، فإنَّ الأصول البشرية بحاجة لصقل وتنمية مداركها عبر دورات داخلية وخارجية، وإفادها في مؤتمرات وورش عمل مكثفه بُغية الاحتكاك مع الخبرات الخارجية والاطلاع على جديد التقنيات والأساليب الحديثة المتبعة في العمل المؤسسي.

إنَّ المؤسسات الحكومية -وخاصة تلك التي تعمل في مشاريع البنية الأساسية- عليها إذا أرادت أن تنمي مواردها البشرية وترفع كفاءتها واستغلالها الاستغلال الأمثل، أن تضع إستراتيجية وخطة واضحة لتنمية الموارد البشرية؛ تنقسم إلى قسمين: خطط طويلة المدى وقصيرة؛ وتشمل دورات وندوات مكثفة واحتكاكا مع خبرات من خارج السلطنة في مؤتمرات وحلقات عمل تكون بشكل مستمر، كما على الخطة أن تتيح للعاملين إمكانية إفادهم لنيل الشهادات العليا العلمية التي تحتاجها المؤسسة بما يتوافق مع واجباتها ورسالتها وأهدافها الموضوعة مسبقا، مراعية في كل ذلك تبسيط الاشتراطات، كما أن عليها أيضا وضع نظام تحفيزي فعال مبني على أسس موضوعية كتطوير آلية تقييم الأداء الوظيفي، وتكريس مبدأ الثواب والعقاب وما يصاحبه من علاوات تحفيزية للمجيدين والمجتهدين في أداء الوظيفة ومحاسبة المقصرين.

إنَّ عمليه التطوير الإداري هي عمليه متجددة تراعي في تطويرها المرتكز السابق وهي الموارد البشرية؛ حيث كلاهما مكمل للأخر. وفي السياق نفسه، فإن من آليات عملية التطوير الإداري مراجعة الهياكل التنظيمية للمؤسسات بما يتوافق مع مهام عملها؛ حيث من الملاحظ أن بعض المؤسسات الحكومية مازالت تعمل بهياكل تنظيميه قديمة، ولم تراعِ الزيادة المضطرة في الكادر البشري والمرونة المتطلبة وعصر السرعة؛ مما أسهم -وبشكل كبير- في تداخل الاختصاصات بين الأقسام والإدارات في الجهة الواحدة والبيروقراطية، وتأخر وبطء إنجاز المعاملات، بل ووصل الأمر إلى تكدسها.

إنَّ من أسباب تطور المؤسسات هو التخطيط الجيد، وأقصد هنا التخطيط المؤسسي؛ بحيث يشمل وضع خطط التدريب وتنمية الكوادر وخطط التطوير الإداري في المؤسسة نفسها، ويشكل التخطيط الجيد المدروس النواة التي تنطلق منها علميات البناء الشامل، ويلاحظ جليًّا أن الخطط في المؤسسات إذا وجدت لا تتم مراجعتها وتقييمها ومعالجة القصور فيها، وأن بعض المؤسسات لا توجد بها إدارات متخصصة بوضع خطط التطوير؛ مما قد يحد من فاعلية المؤسسة، كما أن خطط التطوير تعاني من ضعف وقصور بسبب عدم وجود كفاءات متخصصة ومؤهلة لوضع تلك الخطط وتقييمها، كما لابد من وجود جهة أخرى تُعنى بالتقييم والمحاسبة بصورة مستمرة.

من جهة أخرى، فإن من معوقات التطوير الإداري هو عدم وجود الشخص المناسب في المكان المناسب؛ نتيجة أسباب عدة؛ منها: عدم تأهيل صف آخر من الكفاءات قادر على تولى زمام الإدارة وقلة الكوادر البشرية المتخصصة والمؤهلة، وأيضا وجود أشخاص في الإدارة الوسطى والعليا لأسباب عدة غير واقعية وغير منصفة؛ منها: المحاباة والشللية؛ مما يؤثر سلبا على تطوير المؤسسة إداريا، كما أن الاستمرار في إدارة المؤسسات بأسلوب تقليدي بحت في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات بضرورة إدارة المؤسسة وفق نظام مؤسسي عصري واضح له هويته وكيانه المستقل، يحقق الرضا الوظيفي للعاملين في المؤسسة، كما أن تقديم الأقدمية على الكفاءة وغياب الدوران الوظيفي أسهم -بشكل كبير- في ضعف الأداء الداخلي للمؤسسة، ويُولد حالة من اللاتوافق بين العاملين في المؤسسة نفسها: كما أن عدم وضوح المهام الوظيفية للموظف في المؤسسة له الأثر البالغ في تشتت الجهود، وعدم فهم الموظفين لأعمالهم، مما يزيد الأمر تعقيدا.

إنَّ ما يقف أمام المؤسسات في سبيل تطوير أدائها هو: عدم وجود رؤية ورسالة وإستراتيجية واضحة للعمل تتناسب واختصاصاتها والمهام المكلفة بها، كما أن غياب آليات قياس معدلات الأداء، وعدم وجود جهات متخصصة لتقييم الأداء المؤسسي نتج عنه عدم معرفة مستوى الأداء الداخلي للمؤسسة؛ وبالتالي عدم معرفة أوجه القصور والضعف، ولا يمكن معرفة مدى تحقق الأهداف المخططة مما أسهم -وبشكل كبير- في تدني أداء بعض المؤسسات، أيضا من ضمن المعوقات عدم وجود تخطيط سليم للكوادر البشرية داخل الوحدات، وما يصاحب ذلك من ضعف خطط التدريب والعائد منها، ونقص في الكفاءات المتخصصة المؤهلة لإدارة المؤسسة واتخاذ القرار الصائب المبني على المعطيات الواقعية، أيضا يلاحظ في معظم المؤسسات هدر للكوادر للبشرية؛ وذلك عن طريق تهميشها لأي سبب كان، وتزايد عدد العاملين في المؤسسة بعكس الحاجة الفعلية لحاجة العمل؛ مما يخلق بطالة مقنعة داخل الوحدة، ويزيد العبء الإداري والمالي، وإضافة لما سبق فإن استخدام وسائل اتصال تقليدية وعدم توظيف التقنية الحديثة داخل المؤسسة، يجعل السؤال الحائر: متى ستسلك المؤسسات الطريق لتسخير التقنية لخدمتها؟ ربما تسبب استخدام وسائل تقليدية في الحد من طموحات العاملين عليها التواقين لعصر التكنولوجيا وخلق فجوة كبيرة في المؤسسة نفسها. إنَّ من المعوقات أيضا غياب الدعم والتشجيع والحوافز للعاملين؛ حيث إن المساواة بين المجتهد وغيره يخلق نوعا من عدم الرضا الوظيفي؛ مما ينعكس سلبا على أداء الموظف لعمله؛ حيث إن النفس البشرية دائما تواقة للتحفيز والتكريم والثناء.

وأخيرا.. يجب القول بأن العمل المؤسسي لابد أن تكون له طفرة كبيرة في كافة الجوانب الإدارية والتنظيمية والتطويرية، وحتى التشريعية، حتى يحقق ما يصبو له الوطن والمواطن على حدٍّ سواء.

تعليق عبر الفيس بوك