برجر وكرك

خلفان الطوقي

عندما يراد تعريف كلمة "الإغراق التجاري" فإنّ معظم التعريفات تراها تركز على حماية المنتج المحلي من هيمنة الشركات العالمية، والقليل من الناس يتوقع أن يكون الإغراق هو بين منتج أو خدمة محلية بمنتج محلي آخر يمكن أن يتنافسوا فيما بينهما ليخرج أحدهما الثاني من السوق أو يخرجا معا.

وعندما أتحدث عن "البرجر والكرك" فإنّ ذلك ينطبق على كل المنتجات والخدمات التجارية، وما ينطبق على محلات البرجر والكرك ينطبق أيضا على صالونات التجميل أو الحلاقة أو الشقق السكنية، بمعنى آخر زيادة المعروض عن الطلب.

الوضع الحالي أنّه مع نجاح محل برجر أو كرك أو حلاق، يظهر الكثير من المنافسين بشكل يفوق الحاجة الحقيقية لهذا المنتج أو الخدمة المقدمة ويقومون بفتح محلات شبيهة تماما تحسبها فرعا آخر لها؛ والمختلف بينهم لا يكون واضحا أو جوهريا. وهناك سيناريوهان يمكن سردهما في هذا السياق لكي تتضح الصورة بشكل واضح ومتسلسل، فعندما يُفتح نشاط تجاري- على سبيل المثال "محل برجر" في حي معين- تكون دراسة الجدوى التي أقامها التاجر- إن وجدت- تمّت بناء على معطيات معينة ونسبة ربح معين وباقي العناصر كالسعر وهامش الربح وعدد السكان وحجم المنافسة المتوقعة وغيرها، وما إنّ تفتح بالقرب من هذا المحل خمسة محلات أخرى إلا وتتغير المعطيات كتقليل عدد العمالة التي تعمل أو تقليل نسبة الجودة السابقة أو تخفيض نسبة هامش الربح عن السابق. وهنا يحاول التاجر التأقلم مع متغيرات السوق إلى أن تكون هناك نقطة التوازن والتصحيح بين العرض والطلب، وهي الحالة الصحية المطلوبة والمرضية للجميع، ولكن في حال تحول خمسة مزودين أو مقدمي سلعة أو خدمة من خمسة إلى عشرة أو اكثر وإحداث إغراق في تقديم نفس المنتج أو الخدمة، فإنّ ذلك يعني تخفيض السعر مما يضطر المؤسسة التجارية إلى استخدام مواد قليلة الجودة أو تقليدية لدرجة إحداث الضرر الصحي على المستهلك، وهذا ليس في محل البرجر أو الكرك أو المواد الغذائية فقط وإنّما في كافة المنتجات، ويمكن لمديرية المواصفات والمقاييس في وزارة التجارة والصناعة إثبات ذلك والتحدث عن هذا الموضوع بتفاصيله المعقدة.

الإشارة إلى محلات البرجر أو الكرك ما هو إلا مثال فقط، لكن ذلك ينطبق حتى على الشقق السكنية أو المكاتب التجارية، ويظهر ذلك جليًا في أوقات الركود الاقتصادي، ولنا في بعض المناطق والأحياء أمثلة حيّة من خلو آلاف الشقق من ساكينها وتدهور الأسعار لدرجة عدم إمكانية صاحب العقار تحقيق الربح لزيادة الفوائد البنكية في حالة الاقتراض، وازدياد القضايا المدنية بين صاحب العقار والمؤجر، وهذه تعتبر مؤشرات لزيادة المعروض عن الحاجة الفعلية للطلب، فما هو الحل العملي إذن؟

لا يمكن حماية التاجر وخاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلا من خلال خطوات عملية منها: القيام بالتخطيط العمراني وتحديد حاجة كل حي من المنتجات والخدمات حسب المعايير العالمية المتعارف عليها، وتوجيه وإرشاد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وخاصة التي لا تُعد دراسات جدوى رصينة ومساعدتهم على الاستثمار وفتح محلاتهم في الأماكن الصحيحة حسب الخريطة الاستثمارية المقترحة من الجهات التخطيطية، وعدم فتح أنشطة تجارية جديدة تؤثر سلبا على الأنشطة المشابهة الموجودة سابقا، على أن يسمح باستحداثها بشكل تدريجي يتوافق مع زيادة النمو السكاني والانتقال من مرحلة الاحتكار إلى نقطة التصحيح والتوازن متفادين بذلك مرحلة الإغراق والخسارة والخروج من السوق.

وهذه الخطوات أعلاه لا يمكن أن تحدث بدون خطة وتحديد الأهداف المرادة بشكل واضح ودقيق، وبرغم صعوبتها إلا أنّها ليست مستحيلة خاصة أنها مطبقة في عشرات الدول ومنذ عشرات السنين، ويمكن أن تكون العملية سهلة إذا تكاملت جهود كل من المجلس الأعلى للتخطيط ووزارة التجارة والصناعة ووزارة الإسكان والهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات "إثراء" والهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة "ريادة" والهيئة العامة لحماية المستهلك ووزارة البلديات الإقليمية وغرفة تجارة وصناعة عمان، من دراسات وتخطيط وتشريع وتمويل وإشراف ومتابعة، ففي كل هذه الجهات ستجد جزئية يمكن أن تساهم في حماية التاجر والمستهلك والمجتمع بوجه عام على حدا سواء والوصول بهم لنقطة الرضا والتصحيح والتوازن في الأحياء والمناطق الحالية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، واتباع الطرق العلمية العصرية في الأحياء والمناطق السكنية والتجارية والصناعية والزراعية الجديدة.