ارتقاء فوق الصغائر

 

غسان الشهابي

بقدر اعتراضي على الاستشهاد ببيت أحمد شوقي "اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية" - لأن ليس هناك من عداوة إلا لأنّها اختلاف في الرأي لعدم قدرتنا على العيش مع المختلفين – اعترض كذلك على قول القائلين: "إنّ الرياضة تقرّب بين الشعوب" وذلك لما نراه يحدث على امتداد المعمورة، سواء للفوز بالمباريات، أو بعدد الميداليات، وفي هذا يتنافس المتنافسون، والجزء الأهم من هذه المنافسة لدى الدول الأكبر يتمثل في إثبات التفوق في كل شيء، ومن الأشياء: الرياضة، ذلك لأن بينهم حروبا تطحن على البارد، لها جوانب أيديولوجية تسيّر كل الجوانب الأخرى، وسقوط أي جانب منها يعني خللاً في النظرية أو التطبيق.

وما حدث في عدد من لقاءات بطولة أمم آسيا الأخيرة التي أٌقيمت في العاصمة الإماراتية أبوظبي أخيراً، شيء بعيد عن الرياضة بمراحل، وكذلك بعيد عن السياسة.. هذا من دون الدخول في التفاصيل لتفتيت ما حدث، ومن فعل، ومن انفعل، ولماذا.. وكل هذه الأسئلة التي لن تفعل سوى جَرح الجُرح الطري.

ما حدث يقول بوضوح إنّ الخلافات السياسية لم تقف عند ميدان السياسة، بل تنسحب على جميع الميادين وتسيل على أرضيتها. فعدد من المواجهات الرياضية ما كان لها أن تخرج من حدودها، وما كان ينبغي أن تتجاوز أصوات التعقل التي راحت تطالب أن تبقي الخلافات في إطارها وحسب من دون مدّ النتيجة الرياضية في المباريات فوزاً أو خسارة، إلى ما ورائها، وتحميلها ما لا تحتمل، فما هي إلا "لعبة" في البداية والنهاية، ولطالما وقعت دول كبيرة في شباك دول صغيرة جداً في المستطيل الأخضر، بينما خارج المستطيل الأمور مختلفة تماماً، فشاءت نفسية الخلاف والشحن الكبير الذي لا تزال مفاعيله تعمل بقوة ما بين الجماهير، أن تتبدى في أشكال شتى، وخصوصاً في هذه الدُّمى التي في أيدي الجميع المتمثلة بأجهزة ذكية في أيدٍ غبية.

وإذا ما تجاوزنا موضوع الجماهير الكروية التي يسيطر عليها الحماس، فما بالنا بالإعلام بجميع وسائله الذي خرج عن الموضوعية والشفافية اللتين طالما تغنّى بهما لإثبات أنه جدير بالثقة والمتابعة، والذي أخذت بعض وسائله تزايد على الجماهير في الحماسة إلى حدّ الحماقة!

كان الأمل أن تكون اللقاءات جسوراً، فما بالها تحولت قبوراً لآمال رأب الصدع!.

تعليق عبر الفيس بوك