البحث عن حياة في "امرأة عائدة من الموت" لـ "نافذ الرفاعي"

أمين دراوشة | فلسطين

يتناول الكاتب في روايته الصادرة عن جماعة الباب الأدبية عام 2011م،  أحداث الانتفاضة الثانية في آواخر عام الفين (انتفاضة الأقصى)، والاجتياح الإسرائيلي لمدن الضفة الغربية عام 2002م، ويرجع في الزمن إلى عقود ماضية، كما يحاول استشراف المستقبل.
ومن الملاحظ على شخصيات الرواية إن أغلبها من النساء، إذ ظهرت الكثير من النماذج النسائية، وكان لها دور البطولة.
تدور الحكاية حول الشخصية الرئيسية مرام التي رأت الموت وهو يخطف أحبتها من قبل الاحتلال الصهيوني، ولأنها تملك طفلة صغيرة، فقد أرادت لها أن تحيا حياة جديدة بعيدا عن الاحتلال وجبروته، لذلك تقرر أن تقوم بعملية انتحارية لتذيق العدو ما يذيقه للشعب الفلسطيني.
مرام "خفيفة البياض المائلة للون القمحي لوحتها شمس المتوسط، وعجنتها مع خيوط الشمس في طولها المعتدل وقدها الساحر ونظرتها الثاقبة القادمة من عينين عسليتين مبهرتين ووجه مسلوب يقطر منه الجمال، يزنه ثغر دائم الابتسام وشفتين تشربتا بالحمرة الدائمة". (ص 6)
وهناك الفنانة سمر التي درست الفن في موسكو، وكانت تحلم بالغد، وبرسم كل الأشياء الجميلة، "كل الأحلام والمستقبل، لأملأن طرقات بلادي وجدرانها بلوحاتي، سأزين وارسم وأكرس وأمجد وأهدي كل الألوان إلى لحاتي ورسماتي، أنا قادمة من أرض الخيال وألف ليلة وليلة إذن سأكون أهم من بيكاسو وأعظم من دافنشي". (ص 7)
ولكن أحلامها ذهبت مع الريح، وهي صاحبة الألوان المتقدة الصاخبة، وأيقظها الراوي بهذه المرأة العائدة من الموت.
وأعاد الراوي لها ذكريات موسكو وكييف، وقصتها مع "فتاة الفنون" التي تخلصت أخيرا من الهيمنة الذكورية، بعد أن وقعت في علاقات فاشلة وقاسية مع رجال استغلاليين استمتعوا بجسدها دون مقابل! وذلك بمساعدة رئيسية من سمر الفتاة القادمة من عالم الحلم والفن. والباحثة أبدا عن عالم مليء بالنور والحرية.
ومن الشخصيات المؤثرة في الرواية شخصية "زوج إلهام" والتسمية جاءت من سلطتها وقوة شخصيتها، إذا كانت هي المسيطرة لا هو. لذا بعد توقيع اتفاقية أوسلو تجبره على بيع كل أملاكه بخسارة فاضحة، كي يعود إلى فلسطين، ويستثمر فيها، ولكنه يقع في براثن النصابين واللصوص وللمفارقة يكون خاله هو من أوقع به واستولى على ماله بالاتفاق مع تاجر، وهنا يكون التحول في شخصيته بعد أن عجز عن استرجاع حقه بالطرق القانونية، فيدعي الجنون، ويحصل على شهادة تثبت جنونه من مستشفى الأمراض العصبية، ويصبح الجميع يهابه، فالقانون لا يعاقب المجانين، وهم غير مسؤولين عن أعمالهم، وتلك مفارقة يغمز فيها الكاتب، ويشير إلى اتفاقية أوسلو التي شكلت عقدة الجنون لكثير من الشعب الفلسطيني، ورمت بالكثير في تنور مشتعل.
وظهر في الرواية شخصية مثيرة، وهي شخصية الاستاذ المفكر الذي يحاول أن يقود الانتفاضة (انتفاضة الأقصى) بحكمة وروية، ويرفض بشكل قاطع استخدام السلاح لأنه يمنح العدو الشرعية لاستخدام القوة المفرطة! وكأنه كان ضمير الانتفاضة الأخلاقي.
وهناك شخصية "فتاة القبعة الحمراء" والتي يروي لها الكاتب القصص المتشعبة التي ليس لها نهاية، وكأنه يريد أن يبقيها معه أطول فترة ممكنة. ومن خلال علاقتها بالرواي، تتغير حياتها وبعد أن كانت غير مهتمة بالسياسة ومصير شعبها، تصبح مدمنة على القراءة، ويتفتح تفكيرها، وتولد كأنسانة جديدة.
وها هي تخاطبه قائلة: ألا ترى نضوج الألوان في ملابسي، ولغتي العميقة والقلقة، وتساؤلاتي عن المصير.
ومن خلال تنقلات الكاتب بين بيت لحم والقدس، يحدثنا عن الجدار العنصري، وإقفال مدينة القدس بوجه الفلسطينيين، ومنعهم من زيارتها والصلاة فيها، ويسرد محاولاته المتكررة لاجتياز الجدار وفشله في أحيان ونجاحه في تجاوز الجدار أحيانا أخرى.

مرام والبحث عن الخلاص

هي الشخصية البطلة في الرواية، وهي من مدينة بيت لحم وتربطها بالقدس علاقة متينة حيث كان جدها يعيش ويملك مقهى، والراوي يبحث ويتقصى عن حياتها ليفهم كيف تبدلت أحلامها من الحياة إلى الموت، وهي المرأة التي تعمل بالتجميل والتزيين، وتحب الموسيقى، كيف "تزنرت بحزام ناسف، قررت أن تفجر نفسها، أن تنتحر، أن تموت موتا مدويا، رأت الأرواح تجول حولها، كان الموت يحيط بها من كل جانب". (ص 27 )
تسجن مرام، ولا نعرف السبب، هل تم القبض عليها قبل أن تفجر حزامها الناسف؟ ورغم مرور سنتين على سجنها ما زال الصداع يلتهم رأسها، والكوابيس تطاردها. فهي ما زالت تخاف من الطيور السوداء التي لا تكف عن التحليق حولها، "تنقض وتحيط بها وتهجم عليها مثيرة الهول، لا تقوى إلا على الاختباء داخل نفسها وتغمض عينيها وتصرخ والصوت المكبوت مغلق، أضاعته داخلها يزلزلها بهديره وله دبيب مخيف، يمتزج بأشكال ملطخة بالدم وتكبر هذه الصورة...". (ص 53)
وتختلط الصور وتظهر صورة إيمان حجو الطفلة ذات الأربعة شهور، وطائرات الاباتشي تصطادها.
مشاهد الموت والدمار تلاحقها، ولا تترك لها المجال للتفكير المنطقي، ومع خوفها على حلمها طفلتها الصغيرة ديانا، تقرر القيام بعمليتها كما هنادي المحامية التي فجرت نفسها بعد أن تسبب الاحتلال بجعل حياتها ساحة للقتل والخراب.
تتضمن الرواية العديد من القصص المتشعبة، وإن كان بعضها يخدم النص، فأن البعض الآخر بدا وكأنه أقحم فيه.
وحاول الراوي من خلال جمع شخصياته في النهاية أن يلملم قدر المستطاع حكاياته التي لا تنتهي.
فعرين التي عزمت على تفجير نفسها، توقفت باللحظة الأخيرة، أوقفها ابتسامة طفلة يهودية " خافت أن تقتل ابتسامة طفلة، وجدت أن ابتسامة طفلة بريئة أقوى من الانتقام". (ص 212)
ومرام تخلت عن فكرها المدمر، بعد أن وصلت إلى اليقين، إن الاحتلال هو الموت، وأن الحياة نقيضه الدائم. واحتضت في حلمها كل الأطفال والضحايا، بل إنها قررت أن تبعث برساله إلى سجانتها، التي هي ضحية أخرى للاحتلال؟!
تنتهي الرواية ومرام تحتضن ديانا وتحلم بالغد الآتي، وتغني مع الشخصيات الأخرى نشيد الحياة لابن الرومي.
تعاني الرواية من كثيرة الأخطاء النحوية والطباعية ممّا شوه الرواية، وكان لسرد الراوي القصص الكثيرة، أن أدى إلى إهمال في رسم بعض الشخصيات، وخاصة شخصية سمر، كنت أحبذ لو أن الكاتب اعتنى بهذه الشخصية التي ظهرت في البداية كشخصية إشكالية، تطارد أحلامها دون جدوى، غير أن الكاتب تجاهل إغناء شخصية سمر وجعل وجودها ثانويا، وقائما على رواية قصة صديقة دراسية لها، ومساعدتها لها.
.........................................

1- نافذ الرفاعي. امرأة عائدة من الموت. بيت لحم: منشورات جماعة الباب الأدبية. ط1، 2011م.

 

تعليق عبر الفيس بوك