ما أقصر الطريق لو أردنا الاختصار

 

غسان الشهابي

إذا ما تطلعت على خريطة العالم إلى الاقتصادات التي تصنف على أنَّها أكثر اقتصادات العالم ابتكاراً في الجانب المعرفي للعام 2019، بحسب ما أصدرته مؤخراً بلومبيرغ، ستكتشف بسهولة بالغة، وبدون إعمال الكثير من المجهودات الخارقة أو إعادة النظر إلى الخريطة المرة تلو المرة؛ ثلاثة أمور في غاية الأهمية. أوَّل هذه الأمور أن الابتكار في الاقتصاد هو ما جعل هذه الدول تتقدم العالم، وتحصد من خلال هذه المبتكرات في شتى مناحي الإنتاج، مئات المليارات، ويكفي أن كوريا الجنوبية التي تتصدر القائمة المشار إليها، كان إجمالي ناتجها 1.63 تريليون دولار، وهي التي كانت بلد المظاهرات والإضرابات والاضطرابات، حتى ثمانينات القرن العشرين، حينما بدأت تضع عجلاتها على سكة التقدم والإنجاز، وذلك بفضل النظام الديمقراطي الذي انتهجته البلاد للخروج من انسداد الشوارع المؤدية إلى النهوض، فكان لابد من الديمقراطية حتى ولو فيها خسائر للقلة المتحكمة بمفاصل السلطة.

ثاني هذه الأمور هو أن جودة التعليم، الجودة الحقيقية في عمق التعليم وليس في إحصائياته الكمّية، تتماشى تماماً مع هذا النوع من الاقتصادات، فإلى جانب كوريا الجنوبية نرى ألمانيا وفنلندا وسويسرا و"العدو الصهيوني"، وسنغافورة، والقائمة تطول وتقول إنَّ التعليم المعمَّق والمعمِّق للتفكير يمكنه أن يجني أفضل بمراحل مما يجنيه تعليم العدد، والتباهي بالكميات من "الكَتبة" والذين في السنوات الأخيرة نلاحظ أن طائفة كبيرة منهم يحتاجون – بعد التخرج – إلى إعادة اختبار على مستوى محو الأمية، ذلك لأنَّ من يحفز المجتمع من خلال مخرجاته على التعليم يريد أن يرى انعكاس ذلك عليه من خلال أبنائه وجيرانه وجميع من سيتعامل معهم في المستقبل، بعكس الذين يريدون الحفاظ على كراسيهم بمحاولة إحراق المزيد من بخور الأرقام والجداول لعلها تنطلي على أحد... المصيبة أنها تنطلي، لا لقلة فهم المتلقين من متخذي القرار، ولكن لأن ليس لديهم مفاتيح الأسئلة الحقيقية: إلى أن تسير أوطاننا بهذه النوعيات من المتعلمين؟!

وثالثة النظرات إلى هذه الخريطة، سيجد أن الوطن العربي، ما عدا الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى حد ما، وإفريقيا كلها تقريباً، ليس لها حظّ في هذا الموضوع الذي يجري الحديث عنه وكأنها غير معنية به، فهي على الخريطة الابتكارية قاعاً صفصفاً تعيد إنتاج الفوارق ما بين شمال الكرة الأرضية وجنوبها.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك