يوميات زائر لعمان (3)

 

عبدالرزاق بن علي

استقبلنا سعادة السفير المصري في مسقط بحفاوة وكرم بالغين. وحرص على توزيع المشروبات بنفسه على الحاضرين بتواضع شديد. فمصر بحضارتها وأصالتها وكل ما تحمله من قيم جميلة انتقته ليُمثلها في عمان أجمل البلدان. ولا عجب أن يتحلى بكل هذه الصفات بحكم عمله في مسقط وتمثيله لمصر أم الدنيا. كان متحدثاً لبقاً وعارفاً مطلعاً ودبلوماسياً كبيراً خلال الجلسة التي كان سيدها ونجمها. تحدث عن ذكرياته المهنية وتاريخ الثورة في مصر وإنجازاتها. وحين سألته هل هناك مجال لمقارنة وضع مصر الحالي بعد الثورة بإنجازات جمال عبد الناصر بعد سنوات قليلة من ثورة يوليو قال لي:"يبدو أنك من أنصار عبد الناصر "فأجابه هشام الجخ باعتداد وسرعة من الطرف الآخر من المجلس :" أنا أيضًا ناصري، حرص سعادة السفير أن يكرمنا بدعوتنا للغداء وخلال ذلك سألت هشام الجخ لماذا يصر على طلب مبالغ كبيرة مُقابل إحيائه لأمسيات شعرية في تونس؟ ولماذا يحرم جمهوره في بلدنا من الحضور من أجل هذا؟ والتمست منه مراعاة ظروف البلد وحب الناس الذين يتمنون لقاءه في العاصمة التونسية. اجتهد هشام في بيان الأسباب التي من أجلها يطالب بهذه المبالغ وكان بعضها في الحقيقة وجيهًا ..

أخذنا الأخ مطر عقب زيارتنا للسفارة المصرية في جولة سريعة لقصر العلم الشهير في مسقط. وهو تحفة معمارية فريدة وفخمة تطل على المحيط الهندي أنشأت منذ أكثر من مائتي سنة وأعيد بناؤه سنة 1972، حاولت أن أتمعن عظمة المبنى وأن استنطق الزوايا والواجهات والحدائق والممرات عن جلال المواكب وحفلات الاستقبال التي شهدها المكان ولكنها ضنت جميعًا بذلك على مُخيلتي البدوية البسيطة القادمة من تخوم الصحراء الكبرى وكان سوق مطرح باذخا ومعطرا برائحة بخور العنبر والعود والصندل والمسك وينبض بكل ألق وأصالة وعبق التاريخ. وكانت كل زواياه وأزقته وممراته أبهى وأشد جاذبية من أكوام الذهب والمجوهرات التي تتكدس في المحلات العديدة التي تملأ المكان ..

كنت متشوقاً لرؤية صديقي الأول في عمان الأخ الدكتور سالم البحري فأنا أجد في هذا الرجل الفذ كل الصفات الجميلة. فهو كاتب مبدع وإنسان خلوق وكريم ومتواضع بلا حدود، وفضلاً عن ذلك كله يحب تونس كما لم يحبها أحد من زائريها. وله قصة عشق عجيبة لشارع الحبيب بورقيبة الشهير في قلب العاصمة التونسية. وهو يهل علينا من حين لآخر لنجد فيه كل حب عمان وقوتها وسحر مدنها وعزتها. كانت أمه الفاضلة مريضة وترقد في أحد المستشفيات في مسقط. ولم يجد فرصة لتشريفي بلقاء مع مشاغله الأخرى الكثيرة ولكنه وعدني بمقابلة في أقرب فرصة ...

تواترت أمسيات ملتقى عمان الشعري في الكلية التقنية بالمصنعة. وكانت أغلب القصائد في الشعر النبطي الجميل. ورغم اختلاف الأقطار العربية ولهجاتها فإن القصائد جميعا كانت أقرب للغتنا العربية الفصيحة الجميلة ... كان اسم الشاعر فهدي السعدي مشرف ملتقى عمان الشعري يتردد ويطاول عنان السماء رغم شهرة الأسماء وصيت أغلب الشعراء. وكان شيوخ العرب في عمان يتنافسون في تنظيم موائد العشاء المترفة كل ليلة في الريف والمدينة على السواء. ليس صعباً أن تتضح لك الأشياء من أول زيارة لعمان ولكن لا تعجب إن كنت يومًا من زائريها.

يتبع

 

تعليق عبر الفيس بوك