علي بن سالم كفيتان
أصدر معالي السيد وزير الدولة ومحافظ ظفار الأسبوع الماضي قرارا وزاريا يقضي بتشكيل لجنة لإيجاد الحلول المناسبة لاستعجال صرف الأراضي السكنية بولاية صلالة؛ بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، ولا شك أنّ هذا القرار كان منتظراً في ظل تراكم الطلبات وشح الأراضي المتاحة مع وجود تخطيط غير مُنظم ساده الكثير من التداخل في الاختصاصات واستحواذ أفراد وجهات على مساحات شاسعة على حساب المواطن الذي ينتظر بفارق الصبر للحصول على قطعة أرض يأوي فيها أسرته ويحقق من خلالها أحلامهم المؤجلة.
فمدينة الجمال صلالة تربض على سهل ساحلي ضيق لا يتجاوز عرضه عدة كيلومترات تحفه الجبال الخضراء من جهة والبحر الأزرق من جهة أخرى، وتشمل الرقعة المتبقية المزارع والبساتين التي تزين مدينتنا الحالمة، وأحيائها القديمة التي باتت خرابات للعمالة الوافدة، ومساحات مخصصة لمؤسسات حكومية بعضها قائم والآخر محجوز، مستحوذةً بذلك على نسبة لا يستهان بها. وأمام هذه المعادلة لا ندري هل اللجنة لديها الصلاحيات الكافية لمنح الأولوية في الصرف، أم الأمر سيكون وفق أقدمية الطلب؟ وهنا ستكمن مفارقتان هامتان؛ فالأولوية في الصرف تعني معرفة من لديه أسرة وبحاجة ماسة لأرض سكنية، أمّا أن يكون الصرف حسب أقدمية الطلب فهذا شأن آخر سينعش سوق العقارات مرحلياً وسيقضي على ما تبقى من سهل صلالة بتوصية من اللجنة وبمباركة من معالي السيّد المحافظ. ونعتقد بأنّه لو تمت مراجعة الأمر بشفافية تامة- وهذا ما نتوقعه ونتوخاه- فإنّ معظم الطلبات سيتم استيعابها داخل حدود المدينة الحالية في حال تعاونت الجهات التي اقتُطعت لها مساحات شاسعة في مراحل سابقة، فاليوم وصل الأمر إلى أنّ كامل المدينة أصبح يشكل حرمًا لهذه المؤسسات، فالأجيال تتعاقب والمدينة مطالبة باستيعاب ساكنيها الجدد.
عندما نستقرئ هذا القرار نجد أن غالبية أعضائه الرسميين ينتمون لمكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار؛ حيث يستنتج المُتلقي بأنّ المكتب مطلوب منه إيجاد الحل لقضية إسكانية تتبع لوزارة أخرى يفترض أن تكون لديها نظرة بعيدة المدى للاحتياج السكني للمواطنين في ولاية صلالة عاصمة السياحة في السلطنة وحاضرة الجنوب. وهنا يبرز تساؤل ملح وهو: هل هذه الولاية لم تدخل ضمن رؤية الاستراتيجية العمرانية للسلطنة؟ وإذا آمنا بأنّ المجتمع ممثل في هذه اللجنة من خلال أعضاء المجلس البلدي فأين ممثلو الجهات الهامة مثل المديرية العامة لشؤون الولايات المشرفة على الإسكان الريفي، ووزارة البيئة والشؤون المناخية، ووزارة السياحة، والجهات العسكرية والأمنية التي قد تمتلك الحلول والبدائل المناسبة؟!
حسب التوزيع الحالي للأراضي، استُقطع معظم سهل صلالة الخصيب الذي تتدفق إليه العيون الجارية من الجبال وكان يشكل في الماضي سلة الغذاء وطوق النجاة من المجاعات التي مرت بها ظفار، وأصبح عبارة عن مخططات قائمة وأخرى مستقبلية، وهنا لا بد من توضيح أمر هام بعيدا عن الاختلاف على الخط الذي يفصل الريف عن المدينة، فكما يبدو أنّه لا توجد هناك محددات واضحة يُعرف على إثرها الريف وبأن الأمر لا يعدو خطا وهمياً يخضع للتناقص التدريجي في ظل حاجة المدينة للامتداد وهذا أمر طبيعي، لكن هل السهل المتبقي سيكفي الجميع وسيحل المشكلة على المدى البعيد؟ ولا بد من السؤال عن فرص الامتداد العرضي ليشمل ولايات صلالة وطاقة ومرباط بحيث تشكل مدينتنا المستقبلية التي تمتد من المغسيل غرباً وحتى جنجري شرقاً يحفها كورنيش راقي وجسور ومتنزهات.. إلخ؟ قد تكون هذه الصورة حالمة لكن اللجنة مطالبة ببحث جميع الخيارات.
للوهلة الأولى توقع الكثيرون من سكان الأرياف بأنّ مثل هذه اللجنة ستشكل لإيجاد الحلول المناسبة لتأخير صرف الأراضي للمواطنين في نطاق الإسكان الريفي الموقوفة منذ عدة سنوات، ونتوقع أن هذا القرار لو سبق الحالي سيكون مساعداً بل ومسهلاً لإنفاذه بعيدا عن الدخول في جدلية جديدة مع سُكان الجبال الذين يرون بأنّ الريف مُنح حصانة منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي من قبل المقام السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه- فهل فريق العمل في هذه اللجنة سيفكر في إيجاد حلول خارج الصندوق ويعمل على اقتراح خيارات جريئة أم ...؟
*نقطة نظام:
نأمل من معالي السيد المحافظ الموقر إعادة النظر في الطلبات المستوفية للمواطنين في نطاق الإسكان الريفي في عموم المحافظة وإيجاد بدائل مثالية للسكن في الريف بحيث تكون مخططة ومنظمة وقابلة لتوصيل الخدمات الأساسية وترسم الصورة الحضارية الجميلة لريف ظفار الزاهي في عهد النهضة المباركة، وهذا الأمر سيخلق نويات مدن جديدة، وسيعمل على توطين الناس في أماكن سكناهم المعتادة، وسيقلل من الضغط على المدينة الأم، وثقتنا كبيرة بمعاليه، وبكل المخلصين في مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار.