يوميَّات زائر لعُمان (2)

عبدالرزاق بن علي

انشغلتُ في الطريق إلى المِصنعة بالردِّ على بعض الرسائل التي وصلتني عبر الواتساب، وفيها دعوات بالسلامة والتوفيق. وصلنا المنتجع السياحي الذي خُصِّص لإقامة ضيوف ملتقى عُمان الشعري، ولأنني كُنت منهكا لم أنتبه لروعة المكان والإقامة. وصعدتُ للطابق الرابع حيث كانت غرفتي. ألقيتُ بنفسي على الفراش ونمتُ سريعا، نبَّهني بعد ساعة رنين مُكالمة على "الإيمو" من زوجتي الحبيبة التي لم تنم رغم تأخر الوقت. كانت قَلِقة تنتظرُ اتصالًا مني. سألتني عن رحلتي وإقامتي، وأوصتني بتناول دواء الضغط، وترتيب ملابسي في الدولاب، والاستمتاع بجولتي، والانتباه لصحتي، وأشياء أخرى كثيرة لا أذكرها.

وفي الصباح، كان الطقس ربيعيًّا وجميلًا ومُنعِشا، وكان بعض السياح الأجانب يتمتَّعون بالشاطئ المحاذي للنزل. كُنت سعيدا جدا بتحقيق حلمي والتواجد في عمان في أول زيارة لي. وشكرت الله الذي يسَّر لي هذه الزيارة، وسألته أن يمنحني القدرة على رد جميل من حقق رغبتي، ومن تكرَّم وطلب مني سابقا التكفل بنفقات سفري وإقامتي من أصدقائي العمانيين. أطلَّ الشاعر مطر البريكي وهو من المُشرفين على الملتقى، وكعادته دائما رحَّب بي بلهجة تونسية أصيلة تخالطها بعض المفردات الفرنسية على عادة أهل بلدي الطيبين. فهو يعرف تونس وزارها مرارا ويحبها بلا حدود. كان يمازح الشعراء الموجودين ويعرفني ببعضهم، ويشيع جوًّا من المرح والبهجة في نفوس الجميع.

اصطف طابور من السيارات في المساء لنقل الضيوف إلى الكلية التقنية في المصنعة؛ حيث تنظم سهرات ملتقى عمان الشعري. الجميع في حركة دائبة ومنظمة، وعدد السيارات يفوق حاجة الجمع. وكان كبار المسؤولين والوزراء يتصدَّرون قاعة الاستقبال قبل الأمسية، ويقفون بتواضع كبير، مرحبين كلما دخل أحد الضيوف والحاضرين القاعة.

قادني أحد المنظمين إلى قاعة الملتقى، حيث تُقام الأمسيات الشعرية، وفوجئت بالأخ الدكتور دعيج، والأخ هزاع، وهما من أصدقائي العمانيين الرائعين على الفيسبوك، يقفان لتحيتي والترحيب بي في بلدهما بكلمات لطيفة.

كان الشعراء ملوكًا وفرسانًا وجنودًا وعشاقًا خلال فترات الأمسية الأولى، واستمعتُ مع الحاضرين بأجمل القصائد من أقطار عربية عديدة في مختلف أغراض الشعر. كانتْ الأجواء جميلة، ورائعة، وممتعة، تجلَّى فيها حُب عُمان في قصائد الشعراء، وقلوب الضيوف على السواء.

فُوجئت عقب الأمسية بأنَّنا مدعوُّون للعشاء في بيت أحد الشيوخ. كان عدد الحاضرين كبيرًا جدًّا، ولكن كرم الرجل كان أكبر. ولأوَّل مرة وجدتُ نفسي في حلقة من الرجال أمام صينية كبيرة من الأرز واللحم. وكنت مُرغما على الأكل بيدي لأن الجميع يفعلون ذلك.. اجتهدَ أهل البيت في إكرام الجميع وخدمتهم بكرم حاتمي بالغ أدهشني. ورغم بذخ المكان وأبهته كانت المشاعر الأخوية التي تعم المكان ترفع عنا الحرج كضيوف.

صباح الغد، أبلغني مطر البريكي مع الشاعر العراقي عمر عناز بأنَّ سعادة السفير المصري في مسقط يدعونا، وأننا سنلتقي الشاعر هشام الجخ في السفارة المصرية، واتصل بي الأخ سالم أحد الأخوة المسؤولين في الهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون، وأعلمني بأنَّ الهيئة حجزت غرفة لي في نُزل كبير في مسقط بعد انتهاء فعاليات مهرجان ملتقى عمان الشعري. حاولتُ الاعتذار عن الحجز بحكم أنني رتبت إقامتي بعد المهرجان مع أحد الأصدقاء التونسيين القدامى الذين أُجلهم، واجتهدت في اقناعه بأنَّ صديقي يسكن بمفرده، وأنه يريدني معه، لكنه أجابني بلهجة حاسمة: تم الحجز.

أبلغته خالص شكري وامتناني بكلمات بسيطة لا ترقى مدى اعترافي بالجميل، وحبي لهذا الشخص الخلوق المتواضع، وقلت في نفسي: لا تعجب فأنت في عمان.

تعليق عبر الفيس بوك