د. عبدالله باحجاج
كُنَّا نتساءَل في خِضَم مجموعة تحديات تُواجه كلَّ مُحافظة من محافظات السلطنة: هل نظام المحافظات في بلادنا يحتاج تحديثًا أو تطويرًا في اختصاصات المحافظات؟ ولكلِّ مُفردة "تطوير/ تحديث" لها مدلولها المعني؛ فالتحديثُ يعني إدخالَ مجموعة تغييرات بسيطة، أما التطوير فهو يعني تغييرات كبيرة وشاملة. وأحيانا، كان تفكيرنا يذهب إلى طرح تساؤل آخر؛ وهو: هل دور المحافظ -بالمفهوم العام- يحتاج بدوره إلى تفعيل؟
فمِن المؤكَّد أنَّ هناك خصوصيات تنفرد بها كل محافظة في إطار القواسم المشتركة للمحافظات، وهذا مردُّه إلى اختلاف الأوضاع المحلية في المحافظات؛ وبالتالي يحدث هنا الاختلاف في التحديات، وتباينها بين المحافظات. وقد كُنَّا في هذه المستويات التفكيرية، حتى فاجأنا معالي السيد وزير الدولة ومحافظ ظفار، يوم الخميس الماضي، بالقرار رقم (17/2019) بتشكيل لجنة لإيجاد الحلول المناسبة والتنسيق مع كافة الجهات المختصة في موضوع محدد جدًّا، ويهمُّ المواطنين، وعلى وجه الخصوص الشباب، وهو: "استعجال صرف طلبات المواطنين المستحقين للأراضي السكنية بولاية صلالة"؛ فالقرار يفتح إدارة التفاعلات من مركزية السلطة المحلية، ويحتوي تعدُّد المؤسسات تحت إشرافها مباشرة، وينهي مرحلة الاستفراد السلطوي بالقرار واحتكار المعلومات، ويجعلها تحت إشراف السلطة المحلية، في تشاركية بين كلٍّ أطراف المؤسسات الحكومية والمنتخبة داخل محافظة ظفار. وهذا كلُّه نجده مُجسَّدا في تشكيل اللجنة؛ حيث يرأسها مستشار الشؤون الفنية بمكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار، وعضويَّة كلٍّ من مدير عام الشؤون المحلية بالمكتب، ومدير عام الإسكان، ومدير عام بلدية صلالة، وأعضاء لجنة الشؤون البلدية بولاية صلالة.
المجتمع المحلي هُنا مُمثَّل في هذه اللجنة التي تضمُّ أعضاءً منتخبين، وهذا يفتح أبواب الشفافية والعمل الجماعي بين مُختلف الشركاء، كما سيُمكِّنها من وضع خارطة بالأراضي السكنية بولاية صلالة من حيث ما تبقَّى منها، والبدائل الأخرى، ودراسة معايير استحقاقاتها، وهل لا تزال صالحة أم تحتاج لتطوير؟
المُثير في القرار بُعْدُه السياسي الذي من أجله تمَّ تبنِّي نظام المحافظات في البلاد، وهذا البُعد يمكِّن مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار من استعادة زمام المبادرة في الإشراف على تنفيذ السياسة العامة للدولة في مجال الإسكان، ومنح قطاع الإسكان صفة الاستعجال في محاولة لكسب المجتمع، خاصة فئاته الشابة، التي من بين أهم هواجسها بعد الحق في العمل حقَّا السكن والزواج. فمن بين أهم صَلاحيات المحافظ تنفيذ سياسات الدولة فيما يختص بمحافظة ظفار والإشراف على شؤونها؛ وذلك بالتنسيق مع الجهات المختصة والإشراف، والتنسيق في شؤون الأمن بالمحافظة مع الجهات المختصة، ووضع الخطط الإنمائية والبرامج التي تقع في إطار مسؤوليات المكتب والعمل على تنفيذها، والتنسيق مع الجهات المختصة فيما يتعلق بإعداد وتنفيذ ومتابعة أولويات الخطط الإنمائية بالمحافظة...إلخ. والقرار بتشكيل اللجنة سَالفة الذكر، ننظرُ إليه على أنه تفعيل لصلاحيات الحكم المحلي في عهد معالي السيد الوزير المحافظ، بدلا من ترك كل جهة حكومية تعمل بمعزل عنه، وفي دوائر مغلقة. لذلك؛ فالمطلوب من هذه اللجنة دراسة قطاع الإسكان في صلالة بشفافية كاملة، بما فيها تلك التي في الأدراج، وتلكم التي لها مُسمَّيات عديدة، وكذلك حصة الأراضي التي تمنح لبعض الجهات الحكومية لكي تُوزِّعها وفق اعتبارات خاصة بها لكيانات معنوية خاصة. فشبابنا هم الأولى بها الآن، بعدما أصبح يتمُّ تدويرها على حلقة مُفرَغة من المنتفعين أصلا، فيكفي من استفاد منهم، وأن الأوان آن لتُصرف كل ما تبقى من الأراضي -وهى قليلة- للمواطنين المستحقين فعلًا، كما نقترح على هذه اللجنة استطلاع خيار الشباب بين حقٍّ في الأرض السكنية أو حقِّ تملك شقة سكنية في مجمعات سكنية حديثة مُتكاملة المرافق والمنشآت الجديدة سيجري إقامتها خلال المرحلة المقبلة.
ومن كلِّ تِلكم الاعتبارات، يعدُّ قرار معالي السيد أهم تحولات الحكم المحلي في محافظة ظفار، ويُرجعنا فعلا إلى عصره الذهبي إبان فترة السبعينيات في عهد المرحوم -بمشيئة الله- الشيخ بريك بن حمود الغافري؛ حيث جسَّد عهد الحكم المحلي وفق نظام المحافظات الحديث، فكلُّ المتعدِّد والمتنوِّع المؤسسي كان تحت إشرافه، وكان هو مسؤولًا عنها في نطاق المحافظة، وقرار معاليه يفتح هذا الأفق السياسي في كل المجالات والقطاعات لتتماثل مع قراره في مجال الإسكان، فهل نتوقع قرارات مماثلة في القطاعات الأخرى؛ بما فيها: الصحية، والإعلامية، والاجتماعية، والكهربائية، والمائية، والتنموية الأخرى، ومؤسسات المجتمع المدني؟
كَمْ لجنة تحتاجها الكثير من هذه القطاعات؟ وكم لجنة تحتاجها الظواهر والمظاهر الدخيلة التي استجدَّت على مجتمعنا المحلي؟ لنستحضر هُنا على سبيل المثال: ظاهرة المخدِّرات بما فيها القات، وظاهرة تناول الأطفال والشباب للتَّبغ بأنواعه، وظاهرة الباحثين عن عمل، وظاهرة التسرُّب من المدارس، وظاهرة سهر الأطفال والشباب، وظاهرة فَصْل الطلاب من الكليات والجامعات...إلخ، فهى تحتاج بدورها للجان مُشتركة تحت إشراف الحُكم المحلي، وهذا يدخل في صلب اختصاصات الحكم المحلي؛ ممثلا هنا بنظام المحافظ/المحافظات، وقرار معاليه سالف الذكر أنموذجًا.
ويُمكِن أن نجدَ لهذه الأدوار الإستراتيجية تكييفاتها القانونية، وهى أنَّ صلاحية تنفيذ السياسة العامة للدولة من قبل المحافظ داخل المحافظات تستوجب في المقابل العمل على إيجاد حلول وبدائل للانعكاسات السلبية للسياسات والقوانين، وتركها يمسُّ جوهرَ تلكم الصلاحية؛ لذلك من الأهمية بمكان قيادة المحافظ/الوزير كلَّ جهدٍ مُؤسسي عام وخاص، على اعتبار أنه السلطة السياسية المعنية بشؤون كلِّ محافظة في أمنها وتنميتها، وفي حجرها وبشرها وهوائها ومائها، وكسب ديموغرافيتها للسلطة والوطن. وقرار معالي السيد الوزير المحافظ يُترجم كلَّ معاني أدوار المحافظ، ويعطِي الأهمية العاجلة في توسيع نطاقه.
وفي المقابل، سيكون هذا متوقفًا على إعادة تأهيل وضخ نخب قيادية جديدة في مكتب المحافظ لقيادة مثل هذه المرحلة الجديدة التي تُحتِّمها المرحلة الوطنية التي تمرُّ بها بلادنا الآن، والتي تؤسِّس مرحلةً دائمة قائمة على شرعية القرار ومشروعية التنمية، وشفافية التنفيذ ومصداقية التطبيق، وهذه المواصفات القياسية من المؤكد أنها تحتِّم نُخبًا جديدة ومختارة لقيادة هذه المرحلة الوطنية من خلال نظام المحافظات.