الدولة العميقة والدولة العقيمة

غسان الشهابي

انتشرَ مصطلح "الدولة العميقة" على وجهِ التحديد، عندما بدأتْ أركانُ كرسي رئاسة الرئيس المصري السابق محمد مرسي، تهتزُّ وتتخلخلُ؛ فكان أكثر ما يتردَّد في تلك الفترة أنَّ "الدولة العميقة" لن تسمح له بالاستمرار، وأنها قادرة على إفشال مساعيه.

وبغضِّ النظر عن نجاحه أو فشله، أو الاثنين، فإنَّ الرئيسَ المنتخبَ ما عاد في سُدَّة الحكم اليوم؛ إذ لعبت الآلة البيروقراطية، ورجال الأعمال، والجيش -وهي مُكوِّنات هذه الدولة غير المرئية- لعبتها في شلِّ جميع القرارات والخطط التي يُفكِّر بها من لا يَتناغم معهم، حتى يشعر أنَّه معزول، وليست له شعبية ومقبولية في أوساط الجماهير، ويكون مهيَّأ لأنْ ينزِل عن كرسيه أو يُنزَّل.

وفي دولة الكيان المُحتل، هناك ثلاث تُهَم بالرِّشوة وخيانة الأمانة ضد رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، وهي القضية المعروفة عالميًا بـ"قضية 4000" وقبلها "القضية 2000"، وقبلهما "قضية 1000"، لم تَحْتَج معها المسألة إلى دولة عميقة أم ضَحْلة، فكلُّ ما أرادته أن تضع رئيس وزرائها موضعَ الإنسان العام، وهذا ما سَيحدُث إن اجمعَت الأطراف، ووُجِّهت إليه التهم، ويُدعى ليدافع عن نفسه، فإنْ استطاع المرور من ثقب الإبرة فقد نجا، وإن لم يستطع، فسيكون حسابه كبيرًا.

هذه الأنظمة التي تَضَع الإنسان في مُقدِّمة الاهتمام والتعاطي، يُمكنها التفاعل مع الإنسان في أيِّ منصب هو، ولا تنتظر حتى يُغادر المنصب حتى يكون خارجَ الأنظار؛ وبالتالي لا يُؤثر على سُمعة الدولة، وهيبة الحكومة، وحتى لا يُقال أيضاً عن المؤامرة الخارجية، ولن يقول هناك من أحد بأنَّ ما يحدث ليس إلا حسدًا، ومحاولة تشويه الصورة!

لستُ من هُوَاة المقارنات "نحن وهم"، لكنَّنا للأسف نحتاج بين الفينة والأخرى لمُراجعتها؛ لأنَّ الدولة العميقة هذه إنْ شعرت بقدراتها وإمكانياتها قد تتغوَّل، وبدلًا من أن تخدم الأنظمة تُعجب بنفسها، وتصبح بذلك "... دولة داخل الدولة..."، ولكنَّ الأهم أن تجد الدولة من أدواتها من يُمكن أن يصلح الخلل، ويطمئن الجماهير بأنهم محميون عندما يرون القانون لا يستثنيهم، وحقوقهم مصانة.

إذا نجحتْ الدول العربية -حكومات وجماهير- في بثِّ هذه العدالة وكافة تمظهراتها، ودون أغراض التهويل والتطبيل، ستكون حينها أقرب إلى ما نقول.

تعليق عبر الفيس بوك