يقولون ما لا يفعلون

يعقوب بن راشد السعدي

العَجَب العُجَاب الذي تَرَاه وتسمعه وتقرأه اليوم في جميع وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة الواتساب، شيء يصدمك بين ما تراه عيناك، وما تقرأه، وأحيانا أخرى ما تسمعه في بعض المقاطع الصوتية من رسائل نصية، حقيقة شيء يدعو للتوقف عنده والنظر إليه بعُمق، ولا بد كذلك من معرفة أسبابه، فإنْ كانت ظاهرة وتمرُّ فلا بأس، ولكن إن كانت عادة وتظل وتظُل، فهذا ما لا تُحمد عقباه في الدنيا والآخرة.

 لقد أصبح العالم الإسلامي يقول ما لا يفعل، وهذا هو المقت العظيم، وحتى أقرِّب لكم الأمر والموضوع، دعوني أضرب لكم مثالًا على هذا الأمر الجلل، الذي يجعلني شخصيا أنظر إلى بعض الناس من المسلمين أصحاب من تحلوا بهذا المنهج الذي أعتبره نفاقًا والعياذ بالله؛ لنفترض أنك تعرف سين من الناس معرفة جيدا أو وطيدة، أي تعرف كل ما يمره به هذا الشخص أو تلك المرأة من أحداث في يومهما وليلهما، وتراه يضع على حالته وبروازه في الواتساب مثلا: رضاك ربي والجنة، أو ربي أغفر لي، أو ومن يتَّق الله يجعل له مخرجا... وغيرها من العبارات القرآنية والدعائية التي لا تَمُت لشخصه أو شخصها بأي صلة كانت، فأنت تعلم أنَّ هذا أو تلك يكذبان أو يُخادعان أو .. أو .. إلخ.

وما يزيد على العجب أنَّه كل جمعة يبعث إليك رسائل أدعية واستغفار، وأنت تعلم أنه لا يصلي أبدا، أليس هذا نفاقًا عظيمًا، وانسلاخا دينيا وعقائديا وكذبا وافتراءً على الله ورسوله، والبعض يحدثك في المجالس بأنه أب قدوة، وأنه مُتابع دقيق لأبنائه وبناته، وأنه يُربيهم على الفضائل وصالحات الأعمال، وهو يرجع آخر الليل إلى بيته سكرانا خرفا، إنه شيء يدعو للاستغراب والتعجب والذهول والقهر في بعض الأحيان، يقول الله تعالى في محكم آياته بسورة الصف: "سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ياأيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".

والمصيبة والأدهى عندما تفتح مع البعض منهم موضوع النصح والإرشاد والوعظ، ليتقوا الله فيما يفعلون بأنفسهم، وما يوهمون به غيرهم من نزاهة، يرد عليك ببعض عبارات لا تتوقعها من الهون وعدم المبالاة، فيقول مثلا: "ربك كريم"، و"ما تعرف يمكن باكر الله يهديني"، و"ليكون يوم القيامة بتتحاسب أنت بأعمالي أنا.. يا أخي خلك بحالك"، وعبارات عديدة حتى أستحي أن أذكر بعضها في سياق هذا المقال، هل بدأنا نتعامل مع الدين على أنه شكليات فقط، فإن كان كذلك، فقد انهارت أمة محمد، وقد ينتشر هذا الوباء ويبدأ كتقليد أعمى حتى يصبح قاعدة يختبئ خلفها الضالون، ترى منا مَن يُصلي الخمس، ويقرا القرآن، ويتابع الأفلام الإباحية، ويرسل الفيديوهات المقززة، والتي تظهر مفاتن الرجال والنساء من أجل الضحك والتهريج، ولم يحسب لمدى الإثم الذي يقع عليه بعد إرسالها وتداولها في الوسط الاجتماعي بين فرد وآخر وبين مجموعة وأخرى.

 سوف يأتي يوم تنعدم فيه الثقة بين أمة محمد -عليه الصلاة والسلام- إذا كانت هذه حالها اليوم ومستمرة على هذا النهج الضال، فأصبح النساء يرتدين العباءة وهن عاريات ، وأصبح الرجال يرتدون العمامة وهم مفسدون؛ فمن تصدق ومن تكذب ومن الذي يكون مصدر ثقة والعالم من حولك يرسل إليك صورا ومقاطع فيديو وحالات تظهر لك بأنهم يقولون ما لا يفعلون.

تعليق عبر الفيس بوك