وداعا ليلى .. إلى جنة الخلد

 

علي بن سالم كفيتان بيت سعيد

 

ليلى زهرة عُمانية ذبلت مُبكراً فقد رحلت الأسبوع الماضي عن عالمنا وهي على الفراش الأبيض بأحد المراكز الطبية خارج السلطنة لا أعلم عن مرضها شيئاً ولا تربطني بها سوى خمسة أيام كانت حصيلة دورة تدريبية في مجال تدريب المُدربين نهاية العام الماضي كان معظم المشاركين بهذه الدورة من المخضرمين الذين أمضوا في الوظيفة سنوات تفوق عمر ليلى البريكي.

في اليوم الأول كان على كل واحد منِّا أن يُعرف الآخرين على اسمه ووظيفته وخبراته فكان عدد منِّا يسرد سيرته لبضع دقائق بينما تقدمت هي للمنصة وعليها علامات الحياء وقالت أنا ليلى وعادت إلى مكانها، تحمس المحاضر معها لأنّه رأى فيها اعتزازاً بالذات فلم تكن تتسلح بالسنوات ولا بأسماء الشهادات ولا بالتدرج الوظيفي بل كانت ليلى فحسب علمت من يومها أنها شيء فريد في هذا الوجود وغالباً ما نفقد نحن البشر الأشياء الفريدة لتبقى لنا الأشياء المعهودة التي تأقلمنا معها.

قطعت ليلى في تلك الدورة أشواطاً من التفوق فتخطت فيها الكفاءات والأقدميات وكانت تُحاضر علينا بلسان وإدراك أكبر أساتذة التحفيز الذاتي رغم غضاضة سنها واستوعبت كل متطلبات تدريب المُدربين فصالت وجالت على مسرح الدورة بكامل حشمتها وعنفوان شبابها فكان الدكتور حيان مبهوراً بها ولسان حاله يقول: أحقاً هذه هي ليلى التي قدمت في أول يوم أمام الجميع وقالت أنا ليلى فحسب.

كان آخر عهدنا بها يوم الخميس وهو آخر أيام الدورة حيث عرضها التقديمي الأخير أمامنا ورجعت منكسرة حزينة إلى آخر القاعة لم تكن في ذلك اليوم كبقية الأيام وكان ذلك واضحاً للجميع فغادرت أنا مبكرًا لكي الحق بطائرتي إلى صلالة وتركت الباقين يكملون عروضهم ولم أتوقع أنها مصابة بمرض السرطان فقد أخفت كل ألمها وأوجاعها عنَّا واستمرت تقاوم طوال ذلك الأسبوع علمت لاحقاً أنها تأخذ جرعات لهذا الداء وكم هي هذه الجرعات مؤلمة ومضاعفاتها قوية لكن ليلى صمدت حتى النهار الأخير بثبات وحصلت على التقدير الأعلى في الدورة وحق لها بعد ذلك أن تُدرب المدربين بموجب تلك الشهادة لكنها غادرت مبكراً وتركت لنا أعظم درس في الحياة وهو الصمود أمام الألم ورسم الابتسامة في أسوأ الظروف.

شاءت الأقدار أن أكلف من قبل المحاضر بتشكيل مجموعة واتساب لأعضاء هذه الدورة لكي نتواصل أثناءها ولكن الجميع أصروا على أن نستمر في التواصل حتى بعد انتهائها لما رسمه الجميع من صور إنسانية طيبة يصعب معها التفريط بهذه الصحبة فكانت مجموعة مميزة بحق فكل ما يُنشر مفيد وغير مُعاد أو مكرر في أغلب الظروف بالإضافة للأخبار الشخصية والمبادرات الفردية التي يُقدمها أعضاء المجموعة ويشارك فيها الآخرون سواء بالحضور أو حتى بالتواصل عبر الفضاء الرقمي وكانت مشاركات ليلى شبه معدومة وكأنها غادرت لكن اسمها ورقمها لا زالا موجودين معنا إلى اليوم.

مساء الأربعاء بث الأخ إسماعيل خبر وفاة ليلى أثناء تلقيها العلاج خارج السلطنة كان الخبر مفجعًا لجميع من عرف هذه الشابة العُمانية المُتقدة وعلى إثره انهالت الرسائل كالمطر وسجلت المجموعة أعظم صفحة حب لهذه الإنسانة الطيبة التي رحلت عنَّا، فالبعض لم يصدق والآخر يترحم والثالث يعبر عن الأسى والحزن وبعد الصدمة فكرت في كيفية أن أقدم التعازي لأسرة ليلى فأنا لا أعرف أهلها أو حتى ولايتها أو قريتها فكتبت هذه السطور تعبيراً عما يجيش في خاطري شخصياً ونيابة عن زملاء ليلى في دورة تدريب المدربين التي عُقدت في أكتوبر الفائت في العاصمة مسقط.

بعد هذا الخبر الأليم رجعت لأرى حالة ليلى الأخيرة على الواتساب فوجدتها كاتبة (" يدبر الأمر" .. هذه الآية كفيلة بأن تضفي على نبضك الهدوء والخشوع مهما ضاقت بك الدنيا) ... رحم الله ليلى البريكي وأدخلها فسيح جناته وألهم أهلها وذويها الصبر والسلوان وإنِّا لله وإنِّا إليه راجعون.

alikafetan@gmail.com