حمد بن سالم العلوي
خابَ من جادل في ضَحالة العقول العُمانية؛ فليس في ماضينا من يستطيع أن يُثبت أنَّ عُمان مرت بمرحلة تصحُّر في عقول أبنائها، وليس الحاضر يشي بشيء من هذا القبيل، إذن هل من تفسير مُقنع يجعلنا نسَلِّم بأننا لا نستطيع إدارة وطننا بعقولنا؟ وهل يُعقل أن نخرج من مطب فنعود إلى مطب مثله، أو أكثر قسوة من سابقه؟ وهل ينطبق علينا أننا نكرر المشكلة ذاتها، وقد قيل إنَّ المؤمن لا يلدغ من جُحر واحد مرتين، بل لُدغنا مرات عديدة؟ أنحن سُذَّج إلى هذه الدرجة، أم أننا فقدنا الإيمان في قُدرتنا فصِرنا حتى ننجو من المكايد نحتاج إلى عجائب؟
عُذراً على هذه المقدِّمة القاسية، لكن عندما نرى من يتخبَّط في الإدارة بصورة غير مُرضية، فإنه يحق لكل وطني حُر غيور على وطنه، أن يتساءل عن الأسباب التي أدَّت وتؤدي إلى ذلك؟! فعندما نرى أنَّ هناك نقداً لبعض السلوكيات، ولكن لا نرى من يتفاعل معها بالعلاج والإصلاح اللازم، حتى يَفُوت الأوان وتتغير الأحوال، وتصبح البيروقراطية الإدارية سِمة للعمل الحكومي، وتجد ألف واحد لديهم الرغبة، والقدرة على التعقيد والعرقلة، ولا تجد إلا بِضع نفر لديهم الاستعداد للمساعدة، وتقديم الخدمة على وجهها المطلوب للناس، وبعد فترة تجد طوفان الأغلبية الفاسدة، قد جرف ذلك العدد القليل، ورمته في الصفوف الخلفية، أو حتى لفظته من بينها.
وهنا، لا يُقصد من إطلاق مُصطلح الفساد على المختلس والمرتشي، وإنما فساد السريرة وعدم نقاء النفوس، يَكفي حتى يطلق على المرء مصطلح الفساد، فنحن نعلم أنَّ كل مُؤسسة رسمية يُعين على رأسها شخصاً مَسؤولاً بدرجة "وزير" في غالب الأمر، وهو يعلو هرماً طويلاً عريضاً من المسؤولين والمستشارين والخبراء، ومع ذلك تجد تراجعا في الخدمات، وعلى الأرجح ستجد عُقداً لها أول وليس لها آخر، ومعظمها تجري في العلن، وقليلها يكون في الباطن، ورغم شكوى الناس وتذمرهم من ذلك، والنقد المستمر على سوء المعاملة والسلوك معهم، إلا أنك لا تشعر بأن شكواك تتجاوز جداراً من الخرسانة الصماء، فتسأل نفسك هل تحبط أم تحاول لأجل الوطن؟
في بعض المواقف يتم التعامل مع بعض الشكاوى بالتجاهل، حتى إن مؤسسات القطاع الخاص أخذت بالتقليد لولا الخوف من المنافسة.
هناك البعض لا يقُوم بمسؤوليته الوطنية، ويُمثلون خطرًا على مسيرة التنمية في بلادنا؛ فماذا نفعل مع من أشقاه الشيطان بسوء الخلق، وسوء السلوك؛ فذلك شأنه ونهجه، ولكن أين حِيطتنا نحن وحَذرنا من الخبثاء، هل يُعقل أن يكون هنا بيننا من لا يفهم معنى الخبث والدسائس الماكرة؟!
إنَّ الوطن العُماني بخير، وفي ألف نعمة ونعمة، فقط نتخلص من أصحاب النفوس المريضة في الداخل، وأن يُصار إلى النفوس الكريمة لتحل محلها، وسترون العجب العُجاب الذي يدعم النهضة العُمانية المباركة، فما نحتاجه عقول مبدعة وهي كثيرة، ولكن أن يقوم باختيارها من هو مثلها، أما النفوس غير السوية، والتي لا يُشبعها المال والعفاف، فهي لن تشبع حتى ولو كان المال من حرام، وليس هذا فحسب وإنما يجب أن تظل تحت الرقابة والاختبار، حتى يَسكن الاطمئنان النفوس، ويغشاها الوقار، فهناك من بيننا من نسي الله ولم يلتزم بواجباته ومسؤولياته ولم يراقب نفسه وخان ضميره.
إذن؛ إيجاد العمل للمواطن العُماني، ليس من الصعب العسير، وإنما هو السهل الممتنع، وعُمان كلها خير وبركة، فقط أن نبعد الخمول والكسل من نفوس الناس، وأن نوقف أسطوانة المقارنات الظالمة مع دول أخرى؛ فعلى سبيل المثال إذا أردنا أن نشغِّل سوق الخضار والفواكه، علينا أن نأخذ مجموعة من الراغبين في العمل، ونشغِّلهم في سوق نزوى لمدة شهر أو أقل، وبإشراف مؤسسة حكومية أو خاصة، وبمجرد اكتساب الخبرة، وتطمئن النفوس أنها قادرة على فعل نفس الشيء الذي يعمله المواطن العُماني في سوق نزوى تسهل المهمة، وتعطي الدافع والعزم.
وهكذا أمثلة في أسواق السمك وما أكثرها. أما الزراعة التي أسندت إلى الوافدين، وتخلَّى عنها العُماني بسبب ضعف الدخل، حلها يَكمُن في إنشاء شركات عُمانية تنافسية لإدارة الزراعة، وأن يُدعم راتب العامل العُماني من صندوق يخصص للزراعة، ولن يمر وقت طويل حتى تعود عُمان إلى سابق عهدها في التجارة والصناعة، وللعُماني ميزة في الإبداع والابتكار متى وجد الثقة والدعم، وتغيير النظرة السلبية للعاملين في القطاع الخاص، أما بعض الوافدين، فإنهم لا يستهدفون سوى جمع المال والعودة به إلى أوطانهم دون إبداء أي اهتمام بالبيئة أو الأرض، وهذا أمر طبيعي وبديهي، ولا أحد يستطيع أن يُجبر أي وافد على عمران بلاد الآخرين، إلا بقدر ما تدفع له، ومع ذلك ستحصل على نصف ما تتوقع في أحسن الأحوال.
إنَّ جلالة السلطان المعظم -حفظه الله وأمد في عمره وأبقاه- يسعى لبناء عُمان منذ فجر نهضتها المباركة، وسيسعد جدًّا عندما يرى أنَّ الإنسان العُماني قد تولى شأن بلده في مختلف مفاصل الحياة، وقد كان هذا حلمه ورجاه، يوم فتح أبواب التعليم على كل مستوياتها، وبالمجان، وكان ذلك من أجل الوطن والمواطن العُماني الأبي، وقد أصبحت العقول العُمانية تنافس على المراتب العليا في كل مناحي الحياة محليًّا ودوليًّا؛ فنأمل أن تنجو هذه العقول المبدعة من التضييق والكبت الذي يُمارسه ضدها "حسداً" أصحاب النفوس العليلة.