المقامات والأحوال الصوفية عند الشبلي


كرم نبيه | مصر

           التصوف هو علم تعرف به أحوال تزكية النفوس وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية .
لذلك كان الصوفي هو الفاني بنفسه ، الباقي في الله تعالي ، المستخلص من الطبائع ، المتصل بحقيقة الحقائق .
وكما يعرفه الشبلي نفسه فيقول :
علم التصوف علم لا نفاد له    عــــــلــــــــــــــــم ســـــــــــــــني ســـــــــــمــــــــــاوي ربــــــوبـــــــــي
فيه الفوائد للألباب يعرفــــــها     أهل الجزالة والصنع الخصوصي

أبو بكر الشبلي ( جعفر بن يونس المشهور بدلف بن جحدر ) :
ولد أبو بكر الشبلي في سامراء في السنة التي قتل فيها المتوكل نحو 247 ه / 861 م . وهو تركي الأصل ، ومضي في طريق الصوفية متخلياً عن ماله متجرداً من متعلقات الحياة ، مجاهداً في الرياضات الروحية حتي قال فيه الجنيد " لكل قوم تاج وتاج هؤلاء القوم الشبلي " . كما أنه جمع إلي جانب التصوف الفقه ، وكانت حياة الشبلي كلها توحيداً فالتصوف عنده " تحويل القلب من الأشياء إلي رب الأشياء . كما أنه آمن بوحدة الشهود مثله في ذلك مثل الحلاج . وتوفي سنة 334 ه /  946 م .

أ -  المقامات
المقام في عرف الصوفيين هو مقام العبد بين يدي الله - عز وجل-  فيما يقام فيه من العبادات والمجاهدات والرياضات والإنقطاع إلي الله – عز وجل -  وهو طريق الطالب وموضعه في محل الإجتهاد وتكون درجته بمقدار إكتسابه في حضرة الحق – تعالي – فالمقامات تجمع إذن بينها علاقة محورية واحدة هي الإكتساب والإرادة ، أي إرادة الصوفي ومشيئته هي التي تدفعه إلي العمل علي تجسيد مدلولات تلك المفردات وإكتسابها والتي يأتي علي رأسها التوبة ، فالزهد ، فالتوكل ، فالصبر ، فالذكر ، فالصحبة ، فالأدب .. إلخ
وصاحب المقام معناه أن يكون مقيماً في مقام من مقامات القاصدين ، مثل التوبة والورع والزهد والصبر وغير ذلك ، فإذا عرف بالمقام في شئ من ذلك يقال له صاحب مقام .

1-    مقام التوبة
 تبت دهراً فمذ عرفتك ضيعت توبتي
2-    – مقام الزهد
عيدي مقيم وعيد الناس منصرف   والقلب مني عن اللذات منحرف
وأيضاً يقول :
قد نادت الدنيا علي أهلها    لو أن في العالم من يسمع
كــــــم واثـــق بالعــــمر واريــــتــــــه      وجامـــع فـــارقـــت مــا يجمـــع
3 – مقام الصبر
 صابر الصبر فاستغاث بالصبر    فصاح المحب بالصبر صبرا
وقوله أيضاً :
سألبس للصبر ثوباً جميلاً    وأدرج لـــــيلي ليـــلاً طويلا
وأصبر بالرغم لا بالرضـي     أعلل نفسي قليلاً قليلا  
 
4 – مقام الفقر
فقر وصبر هما نواياي تحتهما      قلب يري إلفه الأعياد والجمعا

5 – مقام التجريد
     تغرب أمري فانفردت بغربتي    وأفنيت عني فصرت مجردا
6 – مقام الطريقة
إذا خاطبوني بعلم الورق               برزت عليهم بعلم الخِرَق
   هذه المفردات تمثل مقاماُ من مقامات المجاهدات السلوكية والنفسية الإرادية والكسبية وهي في مجموعها توجيه الإنسان السالك إلي إتباع طريقة واحدة ، فدلالة الزهد كدلالة التوبة وهي ترك الحظوظ ، والتمسك بالحقوق ، أي ترك راحة الدنيا طلباً لراحة الآخرة . فالمقامات إذن إرادية تخضع لإرادة السالك وصدق عزيمته ، للعمل علي تغيير ما بنفسه من نقص .
هذه المقامات وغيرها الكثير ما يتلبس حال الصوفي تبدأ بتوبته ثم زهده في الحياة وإختياره الفقر بإرادته وتخليه عن زخرف الدنيا ومباهجها وصبره علي مجابهتها من أجل اتباع الطريقة .


ب – الأحوال
الأحوال هي أفضال الله – تعالي – علي قلب الصوفي وألطافه التي يبديها له ، وأغلب الأحوال أفعال أو صفات تجمع بينها علاقة لا إرادية بإختلاف المقامات التي يجمع بينها علاقة كسبية وإرادية ، وقد أطلق الصوفية عليها مصطلح ( الأحوال ) بإعتبار أنها نوازل تنزل علي قلب الصوفي نزولاً وهبياً لا كسبياً ولا إرادياً .
يقول أبو يزيد البسطامي :
" العابد يعبد بالحال ، والعارف الواصل يعبده في الحال " .
والأحوال هي الغيبة والحضور والصحو والسكر والوجد والفناء والبقاء ، كلها من أحوال القلوب المتحققة بالذكر والتعظيم لله .
فالصوفي لا يحب من يحب بإرادته إذ المحبة في عرفهم لطيفة من لطائف الله – تعالي – ومننه يهبها لقلب الصوفي المتقرب إليه بالنوافل التي هي المقامات ، وذلك بناءً علي ما جاء في بداية الحديث القدسي الذي يردده الصوفية في هذا الشأن وهو " ما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتي أحبه " فقد تضمن أي المقامات التي هي مكاسب والمحبة التي هي من الأحوال بل أولها وهي مواهب ومن الأحوال والمواهب عند الشاعر الشبلي :

1 – الحب – الهوي – الفناء – الشرب
فيقول :
فمهلاً أيها الساقي              فقد أسكرني الشرب
وأيضاً :
إن المحبة للرحمن تسكرني    وهل رأيت محباً غير سكران
وأيضاً من قوله في الفناء :
تسرمد وقتي فيك فهو مسرمد          وأفنيتني عني فعدت محددا
ومن قوله في الحب والهوي :
جري حبك في قلبي     كجري الماء في العود
وأيضاً :
وإني وإياه لفي الحب صادق     نموت بما نهوي جميعاً ولا نبدي
2 – الحياة – الموت – الحضور
وتحسبني حياً وإني لميت               وبعضي من الهجران يبكي علي بعضي
وهذه الحال نراها كثيراً في شعره فمثلاً :
إن المحبين أحياء وإن دفنوا     في الترب أو غرقوا في الماء أو حرقوا
3 – الغيبة – القرب – الشهود – المعني
في عبارات سلسة غير ملتبسة يبرز الشبلي إيمانه بوحدة الشهود :
الوجد عندي جحود      ما لم يكن عن شهودي
وشاهد الحق عندي       ينــــفي شــــهـــــود الوجـــــــود
ومن قوله في القرب والفناء والمعني :
بعدك مني هو قرباك    أفنيتني عني بمعناك
ونراه في حال الغيبة يقول :
إذا تغيبت بدا   وإن بدا غيبني
وأيضاً :
غبت عني فما أحس بنفسي   وتلاشت صفاتي الموصوفة
4 – الوصل – النور – الوجد
باح مجنون عـــــــامر بهــــــــــــــــــــواه    وكتمــــــــت الهوي ففزت بوجدي
وإذا كان في القيامة نودي    أين أهل الهوي تقدمت وحدي
ومن قوله في النور :
دع الأقمار تغرب أو تنير    لنا بدر تذل له البدور
لنا من نوره في كل وقت   ضياء ما تغيره الدهور
وأيضاً حال الوصل ظاهرة في شعره فنري :
والوصل لو سكن الجحيم تحولت           نار الجحيم علي العبيد نعيما

 

 

 


المراجع :
•     ديوان أبي بكر الشبلي – جمع وتحقيق الدكتور كامل مصطفي الشيبي – الطبعة الأولي – 1967 م – مطابع دار التضامن بغداد

 

 

تعليق عبر الفيس بوك