صحافة الموبايل

 

حمود بن حمد البريكي

شهدت الصحافة في السنوات القليلة الماضية تغيرات أساسيّة وجوهرية مع ظهور الهواتف الذكية وتطور التكنولوجيا الرقمية، حيث لعبت صحافة الموبايل دورًا كبيرًا في تسهيل عملية جمع الأخبار وتحريرها وإرسالها إلى شبكات التواصل الاجتماعي التابعة للمؤسسات الإعلامية فضلًا عن إرسالها للمواقع الإلكترونية لهذه المؤسسات. كما أتاحت صحافة الموبايل للصحفيين سهولة الحركة والتنقل لتصوير مختلف الأحداث وتغطيتها دون الحاجة إلى استخدام كاميرات كبيرة الحجم وتوصيل الأسلاك وغيرها من المعدات، كما مكنت الإعلاميين من التواصل بشكل مباشر مع القنوات، وبات بإمكان الإعلاميين البث من موقع الحدث.

والواقع أنّ صحافة الموبايل غيرت مفهوم التغطية الصحفية، حيث مكنت الصحفيين من كتابة التقارير الإخبارية والتقاط صور للحدث نفسه وكذلك مقاطع الفيديو أو التسجيلات الصوتية، وبالتالي إنتاج قصة خبرية متكاملة من موقع الحدث وإرسالها للجهات التي يعملون بها لنشرها على موقع الصحيفة أو المؤسسة الإعلامية وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل فوري.

 ونُشير هنا إلى أنّ مجلة دير شبيغل العريقة خصصت في موقعها الإلكتروني قسمًا مختصًا بصحافة الموبايل وأصبح من أكثر أقسام المجلة زيارة، وخاصة مع تصاعد أزمة المهاجرين إلى ألمانيا، وتقول إحدى صحفيات المجلة بأنّها غطت توافد المهاجرين عن طريق الهاتف وقامت بإنتاج وتحرير وبث المادة بشكل سريع على موقع المجلة. وهذا بالفعل ما يريده المشاهد تغطية سريعة من قلب الحدث وجعل الجمهور على معرفة بآخر الأحداث دون التقيد بوقت معين للبث.

وعند الحديث عن واقع الإعلام العماني، نجد أنّ صحافة الموبايل تُستخدم على نطاق ضيق في المؤسسات الصحفية، ويكاد يغيب توظيفها في غرف الأخبار، حيث لا تزال هذه الغرف تُمارس الدور التقليدي في التصوير والتحرير، بينما أتاحت الوسيلة الجديدة إمكانات كبيرة في تغطية مختلف الموضوعات دون الحاجة للذهاب إلى المحطة والخروج بفريق فني كامل لتصوير حدث معين، وإنّما أصبح على المحررين البقاء في أماكنهم وإرسال المادة الإعلامية في زمن قياسي.

هنالك العديد من المحطات التلفزيونية حول العالم تعتمد على صحافة الموبايل في إنتاج الأفلام والبرامج الوثائقية، على سبيل المثال لا الحصر أسست شبكة فوكس نيوز محطة محلية قائمة بشكل أساسي على صحافة الموبايل، حيث تم تجهيز غرفة للأخبار خالية من المكاتب والموظفين، والهدف من ذلك هو جعل أكبر عدد من الصحفيين يعملون في الخارج ويقومون بكل المهام من تصوير وتحرير وتسجيل الصوت عبر الهاتف الذكي، وبالتالي تجهيز قصة متكاملة خلال وقت قصير وإرسالها للمحطة لتقوم ببثه بشكل فوري.

يمكن للتلفزيون العُماني أن يستفيد من هذه التجربة وبالتالي خلق بيئة إعلامية حديثة مستفيدة من التطور التقني السريع للهواتف الذكية وجعل الإعلاميين أكثر إنتاجًا من خلال عدم إلزامهم بالحضور للمحطة وجعلهم يندمجون في المجتمع لتغطية موضوعات جديدة ومتميزة، وهذا الأمر يُساعد الإعلاميين في معرفة المجتمع جيدًا ويكونوا على دراية بأهم المشكلات أو أهم الموضوعات التي ينبغي تغطيتها، مما يؤدي إلى خلق أفكار جديدة تخدم المحطة وتخدم الجمهور في نفس الوقت.

ولو اطلعنا على مواقع المؤسسات الإعلامية العمانية أو تطبيقات الهواتف الذكية سنجد أنّ خاصية تحديث الأخبار غير مفعلة في الغالب، ولذلك فإنّ الجمهور ينتظر لليوم التالي لمعرفة الأخبار، في حين أنّ صحافة الموبايل لديها إمكانات بإجراء تحديثات مستمرة على مدار اليوم وجعل الجمهور أقرب لهذه الصحافة وبالتالي خلق جماهير جديدة.

لا بد أن يدرك المحررون والمديرون في مختلف المؤسسات الإعلامية والجهات الأخرى الفرص التي تتيحها صحافة الموبايل ويستغلونها، ليتمكنوا من تطوير ودعم الإعلاميين في اتباع أساليب جديدة ومبتكرة، ولن يكون ذلك إلا بعمل دورات متخصصة لحصولهم على التدريب التقني الذي يمكنهم من استخدام الهاتف المحمول بشكلٍ محترف في تغطيتهم الإخبارية.

إنّ طريقة تقديم الأخبار التي نعرفها اليوم ستشهد تغيرًا كبيرًا خلال السنوات القادمة مثل ما حدث في الصحف، حيث توجهت العديد من الصحف إلى الاكتفاء بنسخ إلكترونية دون أن تكون لها نسخة مطبوعة. إذا لم توظف المؤسسات الإعلامية التقنيات الحديثة في خدمة مضمونها الإعلامي فستواجه تحديات كبيرة خصوصًا مع ظهور جيل ترعرع بالتزامن مع ظهور الثورة التكنولوجية.

تعليق عبر الفيس بوك