عبد الله العليان
الحديث عن قضيّة التعمين في الوظائف العمومية والخاصة في بلادنا، أصبح حديث الساعة كأحد المتطلبات للمخرجات من الجامعات والكليات ومن المعاهد الفنية وغيرها، وهذا الحديث والنقاش حوله مستمر، وهذا بلا شك يحتاج إلى أساسيّات تفتح المجال الأوسع لهذه الإشكالية التي تزداد مع المخرجات سنوياً.
ولإيجاد الحلول التي تضع قضية الإحلال في طريقها الصحيح في القطاع الخاص، فإنّ التعريب هو الخطوة المطلوبة في القطاع الخاص، وهذه اللغة لا ينقصها شيء من القيام بمتطلبات العمل الإداري والمالي والفنّي، مع الاستغناء عن اللغات الأجنبية، عدا بعض الخبرات الفنية المحددة والمؤقتة التي قد نحتاج إليها، حتى يتم تأهيل الموظف الوطني إن كان هناك حاجة مضطرة. وقد سبقتنا دول كثيرة في هذا المضمار، وسبق أن تكلمت كثيراً عن مسألة التعريب، كمقدمة وأولوية للتوظيف في القطاع الأهلي. وقلت بالنص: "علينا أن نفرض لغتنا، مثل كل شعوب العالم. لذلك يجب أن نعزز اللغة الوطنية، ونجعلها أساسيّة في كل معاملاتنا الإدارية والفنيّة، وهذا يتطلب أن نركز على التعريب ليتاح للعماني أن يحل في الوظائف الشاغرة، فاشتراط اللغة الأجنبية للوظائف، أتاحت للعامل الأجنبي، بصورة واضحة وجلية لإبقائه في وظائف مع أنّه أحق وأجدر بها، وبذلك تقفل أمامه الأبواب بسبب اللغة الأجنبية".
ولذلك علينا أن نرجع إلى العقود الثلاثة الماضية، وكيف تغّير الحال في قطاع المصارف عندما تم تطبيق القرار الجريء في تعمين الوظائف في البنوك، سواء في الوظائف العليا، أو الوظائف الأدنى منها، ومن خلال هذا القرار تم إقصاء النظرة السلبية، التي قال بها البعض أنّ العماني لا يستطيع ويتهرّب من المسؤولية، وليست لديه الخبرة الكافية، للقيام بأعمال مالية وإدارية، لها تداخلات وارتباطات مع المؤسسات الأجنبية العالمية، وانكشفت هذه النظرة التي كانت ربما تعتقد بعكسها، وحققت الكفاءات العمانية، نجاحاً كبيراً، ليس في المصارف فقط، بل وحتى في الشركات والمؤسسات الكبيرة في السلطنة، وحققت من خلالهم نجاحات لم تحققها حتى الخبرات الأجنبية، التي كانت تدير هذه الشركات والمؤسسات في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
إذن المسألة تحتاج إلى قرار جريء وحاسم، في تطبيق التعريب، وإعطاء الفرص لأبناء الوطن، فقضية التراجع عن تطبيق التعريب فإنّ إشكالية التوظيف ستبقى قائمة وتدور حول نفسها، وقد زرت منذ فترة بعض شركات وكالات السيارات ولاحظت أنّ التعمين لا يتعدى بعضا من الأفراد القلائل، وهؤلاء نجدهم ظاهرين عند المدخل الأمامي للوكالات، بينما الغالبية الموظفين من غير العمانيين، تجدهم داخل دخل المكاتب من إداريين ومحاسبين، هؤلاء ممكن أن تستوعبهم مخرجات الجامعات والكليات حسب تخصصاتهم العلمية، بينما أصحاب الثانوية العامة ومن في مستواهم، فهؤلاء ممكن يكونوا إداريين ومهنيين وفق قدراتهم واستيعابهم، فالأمر الآن لم يعد يخضع لرغبات الشركات والمؤسسات، هذا واجب وطني، يحتم أن نشترك في المسؤولية الوطنية في ظل هذه الظروف، وفق قدرات واحتياجات هذه الشركات، والشباب المؤهل قادر على تحمّل المسؤولية، وإذا كان عدد غير العمانيين في القطاع الخاص، يقترب من نصف السكان، فإنّ القضية أصبحت حتميّة وواجبة، بل وتتعدى الضرورة، حتى يتعادل الأمر ويصبح معقولاً، وهذا هو الطريق السليم، وبغيره سنجد آلافا منهم لا يجدون عملاً في ظل هذا الخلل الطويل الذي يقترب من أربعة عقود!! وبهذا يجب أن نعدل من المسار المختل، دون أن نحرق المراحل، فليكن هناك تخطيط وتأهيل وتدريب، ويأخذ الأمر مجراه المناسب في فترة قليلة.
واللغة العربية إحدى اللغات العالمية، وليست عاجزة عن الأداء اللازم في كل مجالات الحياة، ومن خلالها قامت الحضارة العربية الإسلامية العالمية، التي اعترفت بفضلها كل الحضارات الإنسانية، وهذه مسألة لا تحتاج إلى نقاش، لكن الإشكالية أنّ الإرث الاستعماري في الوطن العربي، ساهم في بخسها ومحاولة إقصائها، كمال قال المفكر الجزائري مالك بن نبي، وهكذا أصبحت العديد من الدول تقدم اللغة الأجنبية باعتبارها لغة التقدم والنهوض، وبالعكس اللغة الحاضنة للثقافة والهويّة هي الأقدر على الاستيعاب والتفاعل مع كل العلوم والمعارف، وهذه رؤية علمية معروفة.
الحاجة ملحة الآن بشكل أكبر للمراجعة الجدية لقضية التعريب في القطاع الخاص، ولا يمكن أن يتحقق التعمين الذي نتوخاه إلا بتطبيق التعريب، وجعله إلزاميًا، وهذا ما ننشده وننتظر بفارغ الصبر.