الحداثه الشعرية والأسئلة المستمرة

مفيد خنسة | سوريا
رئيس تحرير صحيفة الثورة السورية الأسبق


ليس جديدا إذا قلنا إن مصطلح الحداثة بمعناه الفلسفي مستخدم من الغرب، والذي طرح في الثقافة الأوروبية مع الثورة الصناعية، وما رافقها من تطور فعلي لنظرية المعرفة. وخاصة على مستوى الفلسفة والفنون.
المهم إن المصطلح أصبح متداولا في الثقافة العربية منذ مطلع العشرينات من القرن الفائت. ولا سيما في الشعر على وجه الخصوص. وإذا كانت بوابة الشعر الحديث قد فتحت من المشرق العربي في العراق، فقد لاقت حضورا كبيرا في كل من مصر ولبنان وسورية ولعل مجلة شعر التي أسسها أدونيس ويوسف الخال كانت من أهم المنابر العربية التي اهتمت بالحداثة الشعرية نشرا ونقدا وتنظيرا. ومن خلالها سطعت أسماء جديدة كان لها دورها البارز في المشهد الشعري الحداثي ومنهم خالدة سعيد والشاعر العراقي شوقي عبد الأمير والشاعر السوري محمد الماغوط، وفي تقديري أن هذه التجربة الشعرية كانت قد تبلورت وأخذت صورتها الجديدة في مرحلة الستينيات من القرن الماضي على يد أهم شعرائها العرب. وأذكر منهم عبد الرحمن الأبنودي وصلاح عبد الصبور وأحمد فؤاد نجم وحسن توفيق وأحمد عبد المعطي حجازي من مصر، ومحمود درويش ويوسف الخطيب وسميح القاسم من فلسطين، ومحمد عمران وفايز خضور ونزيه أبوعفش من سورية ، بالإضافة إلى مي زياة وأمل دنقل وغيرهم من الشعراء العرب في تلك المرحلة.
وإذا كنا واقعيين لا بد من الاعتراف بأن مصطلح الحداثة لم يكن وليد ثقافة عربية وفكر عربي ترافق مع حركة المجتمع نحو تغير بنيوي ، بل على العكس تماما فقد ولد ونما في بيئة ما زالت كلاسيكية بالمعنى الواسع للكلاسيكية.  ولم يلق صدى سوى في أوساط النخبة .
هذا لا يعني ان الثقافة العربية كانت لا تتضمن مصطلحات بديلة وخاصة في الشعر .. حيث كان يستخدم مصطلح (التجديد في الشعر)، أو (قديم - جديد)، والتجديد في الشعر كان يعني في المعنى مع الاحتفاظ بالمبنى الكلاسيكي للقصيدة العربية. أما من حيث الأجناس الأدبية الحديثة فقد تضمنت الثقافة العربية القديمة معظم الأشكال الأدبية الحديثة من دون أن تندرج تحت المصطلحات المعاصرة.
إن ظاهرة الشعر الحر ارتبطت فعليا بالحداثة الشعرية، فكان التنظير لكسر القيود التي كانت تفرضها القصيدة الكلاسيكية وأهمها القافية والبحور الفراهيدية فكانت قصيدة التفعيلة التي كتبها شعراء جيل الستينيات وقد ذكرنا بعضهم، وأخذت تلقى حضورا كبيرا في المحيط العربي على حساب الشعر القديم مع استمرار عمالقة في كتابة الشعر الكلاسيكي أمثال نزار قباني وعمر أبو ريشة والأخطل الصغير ومحمد مهدي الجواهري  وآل المعلوف والشابي وسليمان العيسى وبدوي الجبل ونديم محمد، وغيرهم ، وفُتِح باب الشعر على مصراعية ، واستسهلت كتابة القصيدة وأصبح الشعراء بالجملة.
أنا في سورية أصنف من شعراء جيل الثمانينيات وكنت أندهش لماذا كان شعراء القصيدة الكلاسيكية يبدون خوفا كبيرا من قصيدة التفعيلة.. لماذا كانوا يبدون حرصا شديدا على ضرورة التمسك بالقصيدة التقليدية.. والآن بعد أن تقدم بي  العمر أزدادُ حرصا على كتابة القصيدة التقليدية.. ولا أستطيع أن أصدق أن من لم يستطع الكتابة الشعرية على نظام الشطرين يمكن أن يكون شاعرا مع بالغ الاحترام للجميع.

تعليق عبر الفيس بوك