أنا باحث عن عمل.. إذن أنا موجود

حمود بن علي الطوقي

كُنت قد أعددتُ عمودِي لهذا اليوم للحديث عن الموازنة العامة للدولة للعام 2019، والتي سيصدُر المرسوم السلطاني السامي الخاص بها، اليوم الثلاثاء، الأول من يناير عام 2019، وقد نظَّم مركز التواصل الحكومي، أمس، جلسة حوارية عن أهم ملامح الموازنة العامة للدولة، لكنَّني قرَّرت تغيير محتوى المقال ليتواكب مع النقاش المجتمعي في موضوع الباحثين عن العمل، والذي تصدَّر الأحاديث خلال الأيام الماضية.

وعلى الرغم من أنَّ مقال الأسبوع الماضي حمل عنوان "الباحثون عن العمل.. العقدة والحل"، إلا أنَّ الحِراك الذي تمَّ خاصة من قبل المغرِّدين ونشطاء قنوات التواصل الاجتماعي، فرضَ عليَّ مُواصلة النقاش، وهذه المرة بعنوان "أنا باحث عن عمل.. إذن أنا موجود". واقتبستُ هذا المقال من تغريدة أطلقتُها تحت هذا الوسم، وتفاعل معها عشرات مِن النشطاء في حسابي على تويتر.

حقيقةً، أجدُني أقف وقفة مُساندة ومؤازرة لتحقيق مطالب الباحثين عن عمل الذين أطلقوا وسمًا وحصل على مئات من الردود، وتصدر التفاعلات "ترند" في شبكة تويتر، والذي استمرَّ على مدار أكثر من عشرة أيام وحتى وقت كتابة هذا العمود. وهذا الملفُّ أصبح مُحمَّلا بالهموم كونه لم يغلق، بل يتنامى عاما بعد عام دون طرح حلول جذرية من قبل الجهات ذات العلاقة. وقد أسهمتُ مثل غيري بتقديم حلول وغرَّدت في حسابي ثلاث عشرة تغريدة؛ لذا أشكر كلَّ من تجاوب معها، وقدم رأيه ليشارك الباحثين عن عمل همومهم.

فمُنذ الألفية الجديدة، تغيَّر العالم، وأصبح الاعتماد على المعرفة أحد الأولويات، وفِي العام 2008 برز مصطلح جديد يلوح في الأفق، وهو مصطلح عُرف بـ"خدمات الاقتصاد المستقلة"؛ كأحد أهم الحلول لتقليل نسب الباحثين عن عمل في مختلف دول العالم، خاصة تلك الدول التي تعتمدُ على الموارد البشرية، وهنا يجبُ أن نطرح هذا السؤال: كيف يمكن أن نحل مشكلة الباحثين عن العمل؟ الاقتصاديون يَرَوْن أنَّ حل هذه المشكلة ليس صعبًا، بل يتطلب إعادة الدوران الاقتصادي، خاصة في دولنا التي تعتمد على النفط كمصدر رئيسي للدخل. وقد أدلَى المغردون في منصات التواصل بدلوهم وقدموا حلولا إيجابية. وهنا يجب على صُنَّاع القرار الأخذ بما يتناسب مع احتياج سوقنا الصغير.

أرى أن الحلَّ الأمثل والمنطقي أن نعتبر الاعداد الكبيرة من الباحثين عن عمل ظاهرة إيجابية؛ فهذه الأعداد تشكل طاقة بشرية مهمة لسوق العمل، وعندما نحلِّل بالمنطق سنجد أن ثروة الأمم تتشكل في عدد من المحاور؛ منها: رأس المال الاجتماعي، وبلادنا -والحمد لله- تقدم نموذجًا في هذا الجانب، وأيضاً رأس مال الحكومة، ووضعنا أفضل من كثير من دول عديدة في المنطقة، إضافة الى راس المال البشري، وهي مربط الفرس وتعتبر اهم الموارد في أية مجتمع.

اذن يجب ان نعتبر الباحثيين عن العمل ظاهرة إيجابية وقوة اقتصادية هائلة أفضل من قوة الطاقة، فالموارد البشرية هي احد اهم مصادر التنمية، اذا احسنا التعامل معها، وهذا الجانب كان الهاجس لدى عاهل البلاد المفدى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- حيث أكد جلالته في كل خطاباته على أنَّ تنمية الموارد البشرية أحد أهم أولويات الحكومة، وهذه الدعوة الأبوية يجب أن تُشكل قواعد الارتكاز وخارطة طريق للقائمين على الملف الاقتصادي في البلاد.

إننا نتمنى أن نرى العام 2019 عامًا مُوفقا، ويُعاد خلال هذا العام صياغة بعض التشريعات التي تصب في صالح المواطن، وتكون متجانسة مع متطلبات التنمية.