"بلا طوق"..حمامة" ابن حزم" في صندوق"زوكيربرغ"

عبد الوهاب شعبان*| مصر
كاتب صحفي – جريدة الوفد المصرية

 

أهدر وقتًا طويلًا في لملمة شتات الهاجس الذي جيء به على وقع رسالتها، والهواجس كعادتها مرهقة على الدوام، لا تهدأ فتُريح، وتثور كعواصف الريح.
(1)
تحمل الصدف جواهر، وأحجارًا للعابرين، وتدني من تشاء وقتما تشاء، غير مسؤولة عن موعد، ولا تكترث بالترتيبات المسبقة، وعدها دائم الصدق، معلوم المفاجأة.
والصدف لا تتكيء على علامات استفهام شأن ما فعلته إحدى القادمات كمدخل للتعارف، إنها في عفويتها تحملنا حملًا على التآلف، وتكسر روتينية التعارف.
ما فعلته هذه القريبة البعيدة في فضاء صاحبها يجدد السير باتجاه ضرورة إدراك الفارق بين الوصل، والتواصل..!
(2)
ذات مساء لم يخل من التفكر في وجوه الغائبين، هبطت من فضائها متسارعة الأنفاس، متسائلة عن المضمون، والمكنون، وما استأثرت به النفس الطاعنة في شرودها، ألحت في سؤالها فاستحال الأمر إلى نصيحة منمقة بـ"التروي"، لن يصبح للحوار معنى إذا أتمّ أحد طرفيه إجابات الأسئلة المطروحة عليه كافة، قطعًا سينتهي..
تحت وطأة الاستفهام، والتعجب، وما صاحبهما من علامات بلاستيكية متفرقة تضمر المعنى ذاته أشار عليها بأن تعليق الإجابات فرصة سانحة لاستمرار الشغف، يمكنها ببساطة أن تعيد قراءة النص القرآني (لا تسألني عن شيء حتى أُحدث لك منه ذكرًا)، هذا الطلب الذي يحفظ فضول الرحلة، ويتمم بلاغة القصد.
(3)
الفضاء هو الشاهد الأوحد على علاقة "الطوق" بـ"الحمامة"..
أزرق اللون –"الفضاء"-هذا يدهش في تراكيبه، وتراكماته، لا يصفو رغم زرقته إلا إذا مس قلبًا نقيًا، ولا أحد في أرجائه معصوم من الزلات إطلاقًا، كل ما في الأمر أنها مستورة بصندوق لا ثبات لـ"لونه"، رغم ثبات النكبات.
وعلى حين قدوم منتظر باشتهاء، كنتيجة طبيعية لمقدماته، تبرز أنياب فجائية في صورة أحرف متراصة، تُغرس في كل مشتهى على حد الأمل فتحيله إلى روث متناثر يعقب بعضه بعضًا، مفصل الأذى يعافه المجاز.
تود الحمامة دائمًا فرارًا من الطوق، مالم يكن ملمسه ناعمًا، حتى وإن كان طرحه عن جيدها ثمنه رصاصة الصياد، وقد يستبد الطوق إذا أدرك أنه لا نجاة بدونه.

(4)
لا أمل في بقاء علاقة عكسية، إذا زاد أحد طرفيها، نقص بالطبع آخره.

(5)
بطبيعة الأمر تظل اللذة قائمة ما لم تبلغ المنفعة ذروتها، لكن ترويض النمور أيسر بكثير من ترويض "أنثى شغوفة"، أيًا كان منتهى هذا الشغف، سبقتها إحداهن من قبل حين أحكمت أمرها (وقدت قميصه من دبر).
جاوزت الأسئلة حدها، فتجاوز حده، وألقى ما في خاطره من قناعات تبسط المعقد، وتطلق المحدود، ليس في الحكاية سوى ولع بالكتابة مأخوذ من ذاكرة معتقة بالعذابات المتباينة، وبلوغ الآمال في غير أوقاتها المأمولة، كل هذا من شأنه أن تسيل معه الأرواح صخورًا ربما يخدع بريقها، فتوصف ذات زيف بـ"الشفافية".
وكلنا يبروز مآسيه، ولا تهشم محتوياتها إلا إذا أصيب بـ"بوح عابر" عن دواخل المعذبين المتعففين على جوانب البرواز.

(6)
تورد وجه الأسئلة حين ذاقت طعم الإجابات متدرجًا في جريانها، وحين أحاطها شيئًا فشيئًا بتفاصيل ما أقلقها مستها دهشة التلميذ، فكان طبيعيًا أن يفجأها بتعجب أستاذه (ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا)!.
فما الذي يمنح الحيرة أفضلية في الطرق الغائمة سوى ظنون الوصول!
لو تبصر السائر، واتخذ دليلًا لن ينهزم يقينه أبدًا، لكنه التعجل الموصوم بالغواية.
(7)
السكون لا يعني الاطمئنان غالبًا، بعضه تتبعه العاصفة.
 بعد وصلة دفق مشاعري مسكون بالتمنع لاذت بالصمت، وأبدت ترقبها، هي لا تريد وصالًا، وتفضل التواصل، وهذه إحدى عجائب الفضاء أزرق اللون، وأبرز دلائله، تتسق زرقته مع مواصفات الموج، ضحاياه غرقى بلا موت، ولا أمل لهم في النجاة.
كيف يمنع التواصل- بمفهومه كسؤال عابر مقولب في روتينيته عن الأحوال- من الوصل إذا استقر الوجد في قلب ما؟
سألتمس لها العذر إذا هي لم تفهم بعد أن التواصل - (كواقٍ من الوصل)- هو أحد مفردات الحب عند "ابن حزم" في كتابه البديع "طوق الحمامة"، وقد صنف وصول كتاب- رسالة - المحب إلى المحبوب، وعِلْم المُحب أنه قد وقع بيده ورآه، على أنه لذة عجيبة يجدها المحب، وتقوم مقام الرؤية، وإن لرد الجواب والنظر إليه سرورًا يَعدِل اللقاء.
(8)
انقضت الرحلة في فضائها، بلا أثر لمحطاتها، أما تأجيل الأسئلة فكان حائلًا دون "نوّة" التفاصيل.
عطفًا على أشباهها من حالات الهبوط الاضطراري في المكان الخطأ، تستلزم تأني   المستضيف، وتروي الضيف، كليهما مرهون بـ"إقلاع" حتمي التحقق. والذكرى هي الأثر الأبقى في لقاءات المصادفة.

تعليق عبر الفيس بوك