سوريا: من "فن الممكن" إلى فن الحياة

 

غسان الشهابي

كتبت على الفيسبوك قبل شهور من هذه السنة التي ستغرب آخر شموسها بعد ساعات، أنني "صرت" أرتاح لأي خبر عن تقدم الجيش السوري على الأرض واستلامه السيطرة على المناطق التي سيطرت عليها المعارضة من ذي قبل. حينها علق بأنّهم كانوا يقولون إن النصر لبشّار وجيشه والآن شعوري هذا متأخراً لسنوات. فيما ردّ فريق آخر بأنّ هذا لا يليق فيجب أن تستمر الثورة... حتى النصر.

اليوم تبدو العودة التدريجية لعدد من دول مجلس التعاون لفتح سفارات بلدانهم في سوريا من باب علم السياسة القائم على "فن الممكن" لا القائم على المبادئ والقيم، بعدما كانت لها مواقف أخرى قبل سنوات، ووافق بعضها أن تمثل المعارضة السورية بلادها بدلاً من النظام القائم هناك، على أمل أن تنتهي قبلات الحياة الروسية، أو تنقطع التغذية الوريدية له في وقت ترنّح فيه النظام أيّما ترنّح، ولكنه أثبت – وصحبه – أنّه أكثر قدرة على المناورة والاستمرار.

بينما ما سبق وأن حرّك شعوري هو هذا الكمّ من البشر الذين ذهبوا ضحية "ثورة" بدت نبيلة وخالصة قبل أن يمتطيها من حرفوها عن مسارها. بدأت "ثورة: ولكنّها تحولت إلى "حرب" أو بالأحرى "حروب"، والجميع يريد أن يأخذ نصيباً من هذا البلد والسيطرة على القرار فيه، أو تصفية حسابات مع أطراف أخرى وتكون سوريا هي الساحة، كما جرى ذلك من قبل على أكثر من صعيد، حتى على المستوى الداخلي أيضاً لم تكن سوريا هي الهدف النهائي إلا لدى أصحاب الرومانسية الثورية.

رأيت أنّ استمرار النظام القائم، على سوئه وسيئاته وسوءاته، أفضل من استمرار قوارب الموت، والشتات السوري العظيم، أفضل كثيراً من ركام الأبنية، أفضل بكثير من سؤال السوري الكريم البلدان لجوءاً وحياة وعملاً، ومن لعب بعض البلدان على وتر المساعدات للمتاجرة بها، والجمعيات والكيانات "الخيرية" في المزيد من الامتصاص، وأفضل من عملية فاشلة أن يظل "الورم" ساكنا بدل أن يتوحش ويستشري، وهي في نهاية الطريق أفضل من ضخ المليارات في مغامرات صبيانية في بعض من نواحيها، أو غير محسوبة العواقب، أو صرفها على أوهام التفرّد بالساحة العربية، بدلاً من التنمية الحقيقية لبناء الإنسان القادر على مقاومة الداء وليس صناعة الأعداء.

تعليق عبر الفيس بوك