رسول الله ومجتمع الاكتفاء الذاتي

علي بن حبيب اللواتي | مسقط


قبل أن يصل إلى المدينة كان قد بعث ببعض من رجاله لتهيئة الوضع لبدء مشروعه الحضاري بإقامة دولة الإسلام العادلة الرحيمة والقوية المقاومة...!
وما إن وصل حتى شرع بالموآخاة بين الأوس و لخزرج من طرف وبين المهاجرين إلى يثرب العز و الكرامه من طرف اآر  ..!
بذلك وحَّد المجتمع الجديد في قالب الأخوه المتبادلة وما يلحقها من أخلاق الإيثار والتضحية والتعاون والاحترام و المودة.. في وسط غابة من التقاتل القبلي في جزيرة العرب حيث القبيلة القويه تنهش القبائل الضعيفة ...!
فامر ببناء أول مجمع حضاري للإسلام في وسط غابة الجزيرة العربية الغارقة بالجهل التعبديّ والثقافي والاجتماعي.
حيث كان مسجد الرسول الأكرم لا ينحصر دوره كمقر للعباده الصلاة والدعاء، بل كان الجامعة المحمدية الجديدة لنشر التشريع وثقافة الدين الجديد وتبليغه، فتخرج فيها عمار وأبو ذر وبلال و غيرهم من الأبرار.
ليتعدى ذلك ليكون مقرا للبرلمان الإسلامي ولممارسة الحكم، فكان يجتمع به مع أصحابه الأبرار ليتحاوروا أولا، ومن بعد ذلك يتخذ القائد القرار، ليتابع تنفيذه بجدارة واقتدار.
كلف رفيدة الأسلمية (وهي من المدينة، وقد آمنت بالرسول الأكرم قبل هجرته إليها)  بأن تنشئ أول مركز صحي، و قد كانت ( خيمة كبرى) بالمدينة لتوفر العلاج للأمراض  طبابة الجرحى وإسعافهم والإشراف على الولادات الجديدة وأمراض النساء، و قد انضم إليها طاقم من النساء والرجال، وقامت باقتدار بتأهيلهم كمسعفين ومساعدين.
كان المجتمع المدني من (الأوس و الخزرج) قبل هجرته إليه أغلبه مجتمع زراعي غير منظم، ويسيطر عليه اليهود بشراء غلاته بالجمله من المزارعين.
 واحتياجاته ذلك المجتمع  من السلاح والمعدات كانت تأتي من اليهود المحيطين بالمدينة ومن بلاد خارج الجزيرة.
 فأمر رسول الله محمد الأكرم (عليه الصلاة والسلام) بجلب عدة شحذ السيوف ونفخ الكير من دولة الروم للمدينة، لينشأ اول تجمع صناعي بالمدينة ليوفر الاحتياحات ذاتية بالاكتفاء، وشجع المسلمين بشراء تلك غلات المدينة بالجملة (المحصول الزائد عن احتياجات مواطني المدينة وسكانها) بشراء الفائض من المزارعين لبيعها لقوافل التجارةالتي كانت تمر بالمدينة وتوفير السلع البديلة لسكان يثرب العز والكرامة.
كانت اليهود تسيطر على تجارة المدينة حيث يمسكون بتلاليبها وتمتلئ بمعاملات يكتنفها الغش والخداع ، ويعقدون الصفقات الربويهة إلى من يحتاج إلى قرض أو تمويل، تجارة مبنية على استغلال الآخرين والجشع المفرط كسوق يهود بني قينقاع بالمدينة.
فعمد صلوات الله عليه أن أمر بعض المسلمين بالبدأ بالتجارة عن طريق البسطات في سوق البطحاء حيث خطه برجله الشريفة حدود ساحة السوق، ولم يكن فيها ابتدءا دكاكين مبنية، بل هي لمن يسبق يوميا بأخذ مساحة يعرض فيها بضاعته السلعية والأغذية، مستفيدا (صلوات وسلام ربي عليه) من خبرته في عالم التجارة كرحلة الشتاء والصيف لبلاد الروم والفرس المزدهرة آنذاك.
 ليتطور الحال مع الزمن الى فتح دكاكين توفر الغذاء والكساء والتمويل دون خسة الربا ولا وضاعة الغش والخداع التجاري، والاستغلال لفراد المجتمع الاسلامي الجديد...!
رسول الرحمة والقائد الحكيم الشجاع.. لم يقتنع بأن يكون المجتمع الرباني الجديد لا يمتلك زمام الاعتماد على النفس، فبنى وأرسى لبنات مجتمع مقاوم  مجتمع يؤمن بالاكتفاء الذاتي وسط بيئة الجزيرة المعادية لرسالته الحضارية..
فسلام عليك يوم ولدت، ويوم بعثت، ويوم هاجرت، ويوم بنيت وأسست دولة الله في الأرض، ويوم أكملت نعمة الدين ونعمة الإيمان وسلام العاشقين والمسلمين بدورك الحضاري الإنساني يا حبيب الله.
لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (128)

تعليق عبر الفيس بوك