الدراما والإعلام .. ثنائية التكامل

 

مدرين المكتومية

 

على مر التاريخ أسهمت الآلة الإعلامية- بمُختلف أشكالها وأدواتها البدائية والمتطورة- في تبصير الرأي العام بما يجري في شؤون الدولة والكثير من القضايا المُجتمعية، إذ إنَّ الإعلام هو الوسيلة الوحيدة التي من خلالها يتعرف الجمهور على ما يدور حوله داخل المحيط الذي يعيش فيه أو خارجه.

وعلى الرغم من الانتقادات التي توجه بين الفينة والأخرى للإعلام والعاملين فيه، سواء بدعوى التقصير أو المُبالغة في نقل الحدث، إلا أنه يظل القوة السحرية التي لا يُمكن لأية منظومة أخرى أن تقوم مقامها، لاسيما إذا ما تعلق الأمر بإبراز أحداث إلى الواجهة أو تجاهلها حد النسيان! فالإعلام سلاح ذو حدين، قادر على دعم مسيرة التنمية في أي بلد، وأيضًا بإمكانه إشعال الحروب والفتن في مكان آخر، والأمثلة عديدة لا مجال لذكرها.

ولا شك أن القوة الناعمة التي يمتلكها الإعلام تأتي أولاً من دوره التاريخي؛ حيث يمثل وسيلة من وسائل التحقق من صحة أي موضوع أو كلام يُتداول، ودائماً ما كان للإعلام وخاصة الصحافة المطبوعة قدرة كبيرة على إيصال الحقيقة للرأي العام، بل وتوجيهه إلى نقطة معينة وزاوية محددة من القضية المطروحة. وعلى الرغم من التقدم المعرفي وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، فيما يعرف بالإعلام الجديد، إلا أن وسائل الإعلام التقليدية لا تزال الملاذ الآمن لتلمس كبد الحقيقة، وخاصة في أوقات الفتن، أو الكوارث الطبيعية، فلولا الإعلام التقليدي الرسمي (صحافة وإذاعة وتليفزيون) لما التزم الناس منازلهم عند هبوب الأعاصير وتعرض البلاد للأنواء المناخية، وحتى في قضايا تفشي الأمراض، وبالتالي فإنّ الإعلام ينجح بكل المقاييس في إيصال الرسائل للمجتمع.

وإذا تحدثنا عن دور الإعلام غير المباشر فهناك مجال تفوقت فيه بعض الدول دون الأخرى وبغض النظر عن مدى تمتعها بإمكانيات مادية أو غيرها، وهو مجال الدراما التاريخية، والتي أصبحت فعلياً واحدة من أقوى المجالات الإعلامية، وأبرز من نجحت فيه على سبيل المثال تركيا، التي استطاعت أن تحقق نجاحًا منقطع النظير في الترويج لأحداث تاريخية من وجهة نظرها بجانب تحقيق أرباح مادية طائلة للمنتجين. فالدراما التركية لم تعُد فقط مجرد مسلسلات تستقطب مشاهدي التلفزيون، بل هي أدوات لصناعة رأي عام مُتعاطف مع قضية بعينها، علاوة على كونها أحد مصادر الدخل الوطني، فمبيعات الدراما التركية فاقت في بعض التقديرات قيمة صادرات دول بعينها، ناهيك عن الترويج السياحي والتعريف بالتاريخ الذي تحفظه مثل هذه النوعية من الدراما، وكل ما يتم عرضه مبني على روايات تاريخية معينة تستهدف بناء صورة ذهنية خاصة. ولعل المثال الأبرز في دور الدراما في صناعة الرأي العام والتأثير على الوعي، ما تنتجه هوليوود الأمريكية من مسلسلات وأعمال فنية مُتعددة.

إننا عندما نتحدث عن الإعلام فعلينا أن نتحدث عن عُماننا الحبيبة ذات التاريخ المتجذر والضارب في العمق، فما الذي يحول دون أن نجسد الأمجاد العمانية التاريخية في صورة أعمال درامية، تبني الوعي الجمعي ولاسيما في نفوس الشباب، الذين لم يعد لدى كثيرين منهم متسعاً من الوقت كي يطلعوا ويقرأوا في أمهات الكتب والمصادر التاريخية؟ وما الذي يمنعنا من الاستفادة من المقومات الطبيعية التي حبا الله بها السلطنة وتوظيفها في إنتاج صورة درامية رائعة ربما لا مثيل لها حول العالم.

لا نريد من الإعلام فقط أن يتولى مسؤولية نشر الأخبار والتحقيقات والمقالات وغيرها من صور العمل الإعلامي، وهي أدوار مهمة وأساسية وضرورية بلا شك، بل نطمح كذلك لكي يقوم الإعلام والدراما بأدوار أكثر فعالية فيما يتعلق بالترويج السياحي مثلاً، وتعريف المجتمعات الخارجية وحتى المجتمع المحلي بما تزخر به السلطنة من مقومات، وتعزيز وجهة النظر العامة حول عمان، وما تملكه من إرث ثقافي وحضاري تليد.

إذا لم نقوم نحن بالحفاظ على الموروث ونقل تاريخنا عبر الدراما لن يقوم بهذا الدور غيرنا، بل سيسطو على حقوقنا وينسبها لنفسه، وآخرون سيقومون بذلك لدواعي جني الأموال فقط دون تدقيق في الجودة أو التفاصيل التاريخية.

علينا أن نُدرك أننا نعيش في أتون من المعارك الإعلامية، سواء في محيطنا الإقليمي، أو الدولي، معارك إعلامية تحتاج لصبر وقوة وبطولات لنقدم الأفضل ونوجه المجتمع إلى الطريق الصحيح، وإلا فستجرفنا التيارات الإعلامية المتلاطمة التي تجتاح معظم دول العالم، علينا أن نطوّر إعلامنا الخاص بنا من خلال البناء على ما تحقق من مُنجزات إعلامية على مدى العقود الماضية، التي شهدت نهضة إعلامية، رغم ما ينقصنا من خطوات نأمل الإسراع فيها وبتكاتف شتى مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.