اللغة العربية في فكر السلطان قابوس

سيف بن سالم المعمري

تُشارك السلطنة دول العالم، في الثامن عشر من ديسمبر، الاحتفالَ باليوم العالمي للغة العربية، الذي احتفلتْ به اليونسكو لأوَّل مرة في العام 2012م، هذه المناسبة التي تكتسبُ أهميةً بالغةً يومًا بعد يوم، خاصة عند أهل هذه اللغة العظيمة، التي شرَّفها العليُّ القدير لتكون لغة القرآن الكريم، وتعدُّ اللغة العربية ضِمن اللغات الرسمية في الأمم المتحدة وباقي هيئاتها، وأسهمتْ لغتنا العربية في غرس قيم المحبة والسلام والانسجام بين الشعوب العربية وبقية الشعوب الأخرى، واحترام الأديان والمعتقدات الأخرى.

ولقد تفرَّدت السلطنة بالاهتمام السامي باللغة العربية من قبل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- وتجلَّى ذلك في تأسيس كلية السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها؛ إيمانا وتقديرا من جلالته لمكانة اللغة العربية ودورها الحضاري، كما تمَّ إنشاء الكراسي العلمية لجلالته في عدد من الجامعات العالمية؛ لدراسة اللغة العربية وتطويرها، كإنشاء كرسي السلطان قابوس لدراسة اللغة العربية في يوليو 2007م، والذي تحتضنه جامعة بكين في جمهورية الصين الشعبية، وكرسي السلطان قابوس للدراسات العربية المعاصرة في جامعة كامبريدج البريطانية الذي أنشئ عام 2005م، وهو يقدم مساهمة لتطوير اللغة العربية، وتعزيز العلاقات التاريخية والثقافية التي تربط السلطنة بالشعوب الناطقة باللغة العربية، إضافة لتعزيز ذلك بإنشاء قابوس السلطان قابوس للأسماء العربية، كما يتواصل الاهتمام السامي لجلالته باللغة العربية من خلال تجنب استخدام بعض المفاهيم والمصطلحات؛ فمثلا استبدال كلمة "العاطل" عن العمل بـ"الباحث" عن العمل ونحو ذلك الكثير.

إنَّ ما دَفعني لكتابة هذا المقال، هو تقديري للجهود المباركة لجلالة السلطان قابوس المعظم في الاهتمام باللغة العربية، وغيرتي المحمودة التي أشعر بها تجاه الممارسات غير المبررة لبعض من يحاولون الانسلاخ من جماليات هذه اللغة الخالدة، إضافة للتواصل المستمر لعدد من الأخوة المختصِّين والغيورين عليها، وكان لهم -بعد الله- دور كبير لرفدِي بعدد من الأفكار البناءة، التي يسهل علينا جميعا، مؤسسات وأفراد المجتمع؛ لإثبات إجلالنا وتقديرنا للغتنا العربية، وترجمة للاهتمام السامي لقيادتنا بالدرر الثمينة للغتنا العربية وتوظيفها في كتاباتنا اليومية.

فقد لا يكفينا المشاركة في الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية بالكلمات الرنانة، والبرامج الآنية التي يتلاشى بريقها مع نهاية الثامن عشر من ديسمبر، ولتتكرَّر تلك البرامج في اليوم ذاته في العام المقبل، بل نحتاج إلى إيجاد مرتكزات أساسية، وقواعد راسخة لا نقبل معها التأجيل.

ومن المشاهدات اليومية التي نطالعها، ونتأسف عليها حينما نجد الكثير من الأخطاء اللغوية المتكررة في المراسلات الرسمية، وتزداد جسامتها حينما تصدر من رأس الهرم في تلك المؤسسة، بل إنك تجد الكثير من المصطلحات والمفاهيم غير العربية تُكتب وكأنها أصلًا من لغتنا العربية ككلمة الحاسوب والتي تكتب "الكمبيوتر"، وكلمة الحاسوب المتنقل وتكتب "اللابتوب"، وكلمة  مركز وتُكتب "سنتر"... وهكذا.

كما نجد الأخطاء اللغوية الواضحة في لافتات المحلات والمراكز التجارية والصناعية، وفي اللوحات الإرشادية والتحذيرية من الأعمال الإنشائية في أعمال الطرق والشوارع والمباني الحكومية والخاصة، كما نجد أسماءً لقرى ومناطق ومخططات سكنية غير مُستساغة لغويًّا أو مجتمعيًّا، وتبقى محلًّا للهمز واللمز من أبناء المجتمع ومن الزائرين لها، برغم أن لغتنا العربية تتسع لأسماء جميلة يُمكن تسمية المخططات والمناطق السكنية بها، والتي تعكس جانبا من الوعي الحضاري والثقافة المتنامية.

بل إنَّه مِمَّا يُؤسف له حقا أنْ يتم توظيف بعض المصطلحات غير العربية في أسماء لمؤسسات ذات شخصية اعتبارية ولها وضعها الاقتصادي والتنموي، والذي يتناقض مع الاهتمام السامي لجلالته -حفظه الله ورعاه- وعنايته الكريمة باللغة العربية والحفاظ على هويتها الحضارية؛ حيث يتم الاستخدام المتكرر لكلمة "اللوجستيات" في لغة الإعلام المحلي والمراسلات الرسمية، كما تمَّ تسمية مؤسسة بـ"العمانية العالمية للوجستيات"، رغم أنَّ أصل الكلمة غير عربي، والكثير من أبناء المجتمع لا يعرف حتى الآن معناها.

ومن بين الأفكار التي يُتطلب عدم التهاون في سرعة تطبيقها؛ لتتويج اهتمام قيادتنا الحكيمة باللغة العربية، إنشاء أقسام باللغة العربية يتلخص اهتماماتها بالتدقيق اللغوي على كل المطبوعات والمراسلات الإلكترونية والورقية الصادرة عن المؤسسة، وانتقاء الكلمات العربية الأصيلة، وذات الدلالات المهنية المرتبطة بأصلها العربي، وتضمن بقاء لغتنا حية.

وبُوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت..،