أهمية تطوير قانون التحكيم العماني

جورية السرور

مستشارة قانونية

 

 

تزداد أهمية تطوير قانون التحكيم مع توسع الأعمال الاقتصادية والتجارية في السلطنة، وقد شهدت السلطنة العديد من التطورات الاستثمارية خلال العقود الخمسة الماضية، فقد ارتفع عدد المؤسسات والأنشطة التجارية المسجلة في مختلف المحافظات العمانية.

كما إن صدور المرسوم السلطاني السامي رقم 26/2018 بإنشاء مركز خاص تحت مسمى "مركز عمان للتحكيم التجاري". فهذا المركز يعتبر خطوة رائدة في مجال تطوير دور التحكيم في السلطنة.

ومن خلال التطبيق العملي لعملية التحكيم تظهر عدة مشكلات قد تعرقل الغاية المرجوة منه في ظل غياب نص يعالج هذه المشكلات التي كشفها التطبيق العملي للتحكيم لتظهر أهميّة تطوير النظام القانوني للتحكيم ومنها:

أولاً: أتعاب المحكم ونفقات التحكيم في قانون التحكيم العماني في ظل غياب النص القانوني.

من المتعارف عليه أنّه لا يعتبر عمل المحكم عملاً تبرعياً يقوم به المحكم وإنّما هو عمل يؤديه مقابل أجر عن هذا العمل، إلا إذا تنازل عن أتعابه. وتقدير أتعاب هيئة التحكيم هو شأن طرفي التحكيم والهيئة معاً لذلك فالأصل أن يتم الاتفاق عليها بين المحكمين وطرفي التحكيم قبل بدء التحكيم أو أثنائه أو بعد انتهائه.

لا مشكلة في تقدير أتعاب التحكيم إذا كان مؤسسيا، إذ تنص قواعد مراكز التحكيم على الأتعاب التي يتقاضاها المحكم والمحكمون بمراعاة قيمة النزاع كما تنظم تلك القواعد ما يتعلق بزيادة هذه الأتعاب مراعاة لبعض الظروف لكن المشكلة تظهر في التحكيم الحر في ظل غياب نص تشريعي يحدد أتعاب المحكم وآلية تحصيلها وحدود قيمتها، ومتى يستحقها.

حيث تظهر الإشكاليات التالية:

  • هل يجوز للمحكم أن يقدر أتعابه ضمن مشتملات الحكم التحكيمي وما مدى جواز ذلك في حال لم يكن هناك اتفاق؟  
  • هل يجوز أن يعلق المحكم البدء بإجراءات التحكيم على دفع أتعاب التحكيم أي تعليق إجراءات التحكيم على مصالح شخصية؟
  • ماذا لو أبطل حكم التحكيم بسبب إهمال أو خطأ من المحكمين جميعاً أو من أحدهم فهل لهم المطالبة بالأتعاب؟   

لم يحدد المشرع العماني أتعاب المحكم بموجب نص قانوني ولا آلية تحصيلها والتطبيق العملي للتحكيم يواجه صعوبة في سرعة إجراءات التحكيم بسبب هذه الإشكالية مما يبعد التحكيم عن أهم خصائصه والغاية المرجوة منه في السرعة وقلة التكاليف.

وبما أنّه لم يأت ذكر أتعاب المحكمين في أي مادة من مواد قانون التحكيم العماني لذا يبدو أنّ إرادة المشرع اتجهت إلى تركها لاتفاق الطرفين، والواقع العملي يثبت قيام مشاكل عديدة بهذا الصدد، حيث يقوم بعض الأطراف بعرقلة التحكيم والغاية المرجوة منه أو رفع أجور التحكيم إلى تقديرات تفوق نفقاته فيما لو اتجهوا للقضاء وغيرها من المشكلات التي سطرها الواقع العملي في ظل غياب نص قانوني يضبط هذا الجانب.

نلاحظ أنّ أغلبية القوانين المقارنة عالجت هذه المسألة لأهميتها بموجب نص قانوني:

مثلاً

  • المشرع السوري حسم هذه المسألة بموجب نص م ٤٢ من قانون التحكيم في المنازعات المدنية والاقتصادية والتجارية رقم ٤ لعام ٢٠٠٨   حيث جاء في الفقرة الثانية من هذا القانون: م٤٢ ف٢: يجب أن يتضمن حكم التحكيم أيضاً أتعاب ونفقات التحكيم وكيفية توزيعها بين الطرفين وإذا لم يتم الاتفاق بين الطرفين والمحكمين على تحديد أتعاب المحكمين فيتم تحديدها بقرار من هيئة التحكيم ويكون قرارها بهذا الشأن قابلاً للطعن أمام المحكمة المعرفة بالمادة ٣ من هذا القانون.

لكل ما سبق وبما أن التحكيم أصبح له دور بارز في حل المنازعات التجارية حيث أصبح يتصدر أغلب العقود التجارية معلناً أنه سوف يقوم بحل المنازعات بأسرع وقت وأقل التكاليف وأنّه سوف يخفف من الضغط على المحاكم في ظل ازدهار التجارة والاستثمار في السلطنة، ولما يواجه بعض الإشكاليات التي قد تسبب عرقلته لعدم وجود نص واضح يحدد آلية تحديد أتعاب المحكمين واستخدام بعض الأطراف هذا الجانب بطريقة سلبية في ظل غياب النص، هنا تظهر الحاجة الماسة لتطوير هذا القانون أسوة بالتشريعات المقارنة التي عالجت هذا الجانب. وهناك جوانب أخرى نسلط عليها الضوء في مقال لاحق.

تعليق عبر الفيس بوك