ما بين ساعات الانتظار

 

 

مُنى البلوشية

ما بَيْن تلك الساعات التي يتمُّ قضاؤها على مقاعد الانتظار قبل الدخول للطبيب المُختص، كثيراً ما تنتبه وتستمع  لقصص ومواقف من بين أولئك المنتظرين.

فما بين تلك الساعات التي كُنتُ أستغلها بقراءة كتاب، والذي لا تخلو منه حقيبتي عند ذهابي لأماكن وبها ساعات انتظار طويلة، إلا أنني وكلما رفعتُ رأسي رأيتُ من حولي، وكأنني كائن غريب أتيت من كوكب آخر عمن حولي، والذي أضحكني مُرور أحد الأطباء بمقربة مني ليتأكد من ذلك.

وما بين ساعات الانتظار إلا وأرى تلك المرأة التي ارتدتْ نِقاباً تُغطي به وجهها، خوفاً من ألا يراها أحد ويعلم بمجيئها، ويسمع وهي تسأل عن مكان عيادة الطبيب المختص بالعلاج النفسي، وهي تتحدَّث بصوت خافت عن سؤالها لأحد الممرضين عن مكانه، إلا أنَّه بادرها بصوته العالي مؤشراً بأصبعه قائلاً لها: هناك مكان الطبيب النفسي.

ورحلتْ وهي مُطأطئة رأسها أرضاً، وبخطى مثقلة، ولا أعلم هل أكملت مسيرها ووجهتها لمكان العيادة أم لا، بعدما صرخ لها ذلك الممرض، فرفقاً بمرضانا، فإنهم يحتاجون من يرحمهم ويرأف بحالهم.

وبعد ساعات من الانتظار الطويل إلا وقد تم مناداة شاب وباسم غريب نوعا ما، وسأله الممرض: ما معنى اسمك؟ لأول مرة أسمع به!! فرد الشاب قائلاً: اسأل الوالدة هي التي أسمتني بهذا الاسم، ولا أعلم بمعناه، ولماذا أسمتني به، شعُرتُ هنا بأنه غير راضٍ عنه.

وبالفعل، حتى أنا تعجَّبت منه، فقد أصبح لديَّ فضول بأن أبحث عن معنى اسمه بعد عودتي للمنزل، وفعلاً بحثت عنه فوجدته تصغيراً لنوع من أنواع الأسلحة، هنا تفاجأتُ: يا خالة تسمِّين ابنك باسم سلاح!!

فرفقاً أيها الآباء والأمهات بأبنائكم، فأسماؤهم ستبقَى معهم مُلَازِمة لهم طول العمر، انتقوا لهم أسماء تليق بهم وبزمانهم.

فما بين ساعات الانتظار، تستطيع أن تكتب وتقرأ وتستمع وتتحاور وتلتقي بمن لم تراه منذ زمن بعيد، وتخرج منها بكميات هائلة من الأفكار التي رُبما لا تخرج إلا في أوقات الزحام ومخالطة البشر.

فساعات الانتظار تجعلك في عالم آخر، أنت من يستطيع أن يستغله لصالحه، ويحوِّله لآلة منتجة، فرفقاً أيها الأصحاب بساعات الانتظار، حتى وإن كانت طويلة، وربما نتذمَّر منها، لكنها تحتاج لصبر، فلنخرج منها بما ينفعنا، ولنملأها بالاستغفار والتسبيح.

تعليق عبر الفيس بوك