الفطيم ووسام الإشادة السلطانية

فايزة الكلبانية

لا يختلف اثنان على أهمية الاستثمارات الأجنبية في تعزيز النمو الاقتصادي وفتح آفاق واسعة لجهود التنويع الاقتصادي، فضلاً عمَّا يُسهم به في توفير فرص أعمال للمؤسسات الوطنية المحلية وما يخلقه من فرص عمل للشباب.

وحكومتنا الرشيدة ومنذ انبلاج فجر النهضة المباركة وهي تقدم كل التسهيلات والخدمات التي يمكن أن تعزز من جهود جذب الاستثمار الأجنبي، وهي جهود تتوازى وتتكامل مع خطط تحفيز رجال الأعمال الوطنيين على ضخ رؤوس الأموال في السوق المحلية، من أجل إنشاء المشاريع الصناعية والتجارية والزراعية والسمكية، والسياحية وغيرها، فضلاً عن الجهود المقدرة الأخرى لجذب الأموال المهاجرة كي يتم استثمارها في أرض الوطن، فالوطن أولى.. أليس كذلك؟!

وترجمة لاهتمام الدولة بالاستثمار الأجنبي، تفضَّل حَضْرة صَاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد المُعظم -حفظه الله ورعاه- فمَنَح وسامَ الإشادة السُلطانية من الدرجةِ الأولى لماجد مُحمَّد ماجد الفطيم. وبلا شك أنَّ هذه الإشادة السلطانية تؤكد بكل قوة حجم الاهتمام الذي يوليه جلالة السلطان المُعظم- أيده الله- وحكومته الرشيدة، بالاستثمار الأجنبي، فرجل الأعمال ماجد الفطيم له إسهامات جلية في كثير من المواقع، وهي إسهامات وفرت الآلاف من فرص العمل للشباب العماني المكافح، وفتحت آفاقًا تجارية واقتصادية كبيرة، وساعدت في إحداث حراك تجاري في الكثير من المراكز التجارية التي أسسها الفطيم.

لكننا في هذا السياق، نتساءل، وبالأحرى ننقل تساؤلات الكثيرين ممن علقوا على منح الوسام للفطيم، وفحوى التساؤل: "أين المستثمر العماني؟!"، لماذا يغيب المستثمر العُماني عن تنفيذ كبرى المشروعات كتلك التي يؤسسها الاستثمار الأجنبي، أين كبار رجال الأعمال في بلادنا، لماذا يمتنعون عن ضخ الأموال في السوق من أجل تحقيق الانتعاشة التي نأملها جميعًا؟ من المدهش أن نجد صغار رواد الأعمال ممن بدأوا العمل التجاري قبل سنوات قليلة، هم المبادرون وهم المغامرون وهم الذين يحصلون على قروض تمويلية من أجل إنشاء مشاريع جديدة، تملأوهم العزيمة والإصرار على مواجهة الظروف مهما كانت.

لا ننكر أنّ بيئة الأعمال والسوق المحلي بشكل عام يشهد قيام عدد من رجال الأعمال أصحاب الشركات والأعمال التجارية بتنفيذ مشروعات كبيرة ومتوسطة وصغيرة، لكنهم أسماء معدودة ممن يمكن أن نطلق عليهم مستثمرين حقيقيين، تأخذ مشاريعهم الطابع الاستثماري ذا القيمة المضافة والمستدامة، لكن في المُقابل أغلب المشاريع التجارية القائمة لا يُمكن أن نطلق عليها "استثمارا مستداما" وعوائدها محدودة فقط على صاحب المال. ولذا نجدد السؤال: أين المستثمر العماني؟!

فبعيداً عن حجج بطء الإجراءات والتراخيص وعدم وجود تنسيق بين الجهات المختصة وغيرها من الأعذار والتي طال التغني بها، وعلى النقيض يأتي المستثمر الأجنبي ويتغلب عليها ويقيم مشروعاً مهما كان حجمه في ظل التحديات نفسها أو أكثر. لكن في حقيقة الأمر السوق في أمس الحاجة لمستثمرين عُمانيين مبادرين لا يعرفون كلمة "مستحيل"، قادرون على مجابهة مختلف التحديات وتجاوزها، ورد الجميل لهذا الوطن المعطاء.

كثيراً ما يثار الجدل حول أسباب عزوف المستثمرين عن ضخ أموالهم في السلطنة رغم ما تتمتع به من مقومات لا تتوافر للكثير من دول المنطقة، سواء من حيث التسهيلات أو الموقع الإستراتيجي أو الاستقرار والأمان الذي تنعم به بلادنا. ولذا فالبعض يرى في صدور قانون الاستثمار الأجنبي حلا لاتخاذ خطوات تسهم في تعزيز جهود جذب المستثمرين للسلطنة، بجانب مواصلة حملات الترويج للمزايا الاستثمارية في بلادنا.

الأرقام تشير إلى أنَّ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في السلطنة حتى نهاية الربع الثاني من العام الجاري بلغ نحو 9 مليارات و736 مليونًا و900 ألف ريال عُماني، مقارنة بنحو 8 مليارات و371 مليون ريال عماني للفترة ذاتها من عام 2017، وذلك بزيادة في تدفقات الاستثمار الأجنبي مقدارها مليار و365 مليونًا و900 ألف ريال عماني، وبنسبة نمو بلغت 16.3%.

إذن نحن أمام نمو حقيقي لهذه الاستثمارات الأجنبية، ما يؤكد نجاعة خطط الحكومة في تسهيل إجراءات الاستثمار، فما الذي يحول بين المستثمر العماني وبين ضخ رؤوس الأموال في مشروعات تعود بالنفع على الوطن والمواطن.

نداء موجه لكبار رجال الأعمال الذين استطاعوا خلال السنوات الماضية تأسيس كيانات اقتصادية كبيرة، ألا يبخلوا على الوطن بمشروعات تدعم النمو الاقتصادي، وأن يكونوا هم الأحرص من المستثمر الأجنبي على الاستفادة مما تتيحه بلادنا من فرص تجارية واستثمارية واعدة، وكلي رجاء أن ينتبه كبار رجال الأعمال المُخلصين إلى ذلك ويبدأوا في ضخ استثمارات ننتظر منذ سنوات طويلة أن تأتي، فهل ستأتي؟ أم سننتظر لسنوات أخرى؟!