محاور نقاشية وأوراق عمل تسلط الضوء على مستجدات التعليم الهندسي

"المؤتمر الهندسي العربي" يدعو من مسقط إلى وضع رؤية مستقبلية للانطلاق نحو "اقتصاد المعرفة"

...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...

◄ فهد بن الجلندى: المؤتمر يوجه المؤسسات التعليمية لطرح تخصصات تلبي احتياجات سوق العمل

◄ الصولي: السلطنة تولي رعاية كبيرة بقطاع التعليم ومواكبة المستجدات

◄ مشروعات عديدة في البنية الأساسية والموانئ واللوجستيات تؤكد حجم التنمية المتحققة

◄ مهندسون مهرة أنجزوا العديد من المشروعات ونجحوا في مقاومة التحديات الطبوغرافية

الرؤية- أحمد الجهوري

تصوير/ راشد الكندي

 

رعى صاحب السمو السيد الدكتور فهد بن الجلندى آل سعيد الأمين العام المساعد لتنمية الابتكار بمجلس البحث العلمي، الثلاثاء، افتتاح أعمال المؤتمر الهندسي العربي الثامن والعشرين تحت عنوان "أثر التعليم الهندسي في بناء الاقتصاد القائم على المعرفة في العالم العربي"، الذي تستضيفه السلطنة، وتنظمه جمعية المهندسين العمانية بالتعاون مع اتحاد المهندسين العرب، ويستمر المؤتمر 3 أيام بفندق شيراتون عُمان.

وأكّد صاحب السمو السيد الدكتور الأمين العام المساعد لتنمية الابتكار بمجلس البحث العلمي أن المؤتمر يوجه الجامعات والمؤسسات التعليمية نحو التخصصات المطلوبة في سوق العمل، مدعوما بآراء المهنيين والخبراء العاملين في القطاع. وأعرب سموه- في تصريحات صحفية على هامش المؤتمر- عن أمله في أن تستفيد المؤسسات التعليمية سواء في السلطنة أو الدول العربية من توصيات المؤتمر، بهدف تطبيقها في البرامج الجامعية المختلفة، حتى يتمكن الخريجون من الإلمام بمتطلبات العمل في قطاع الهندسة والقطاعات المختلفة وفقا لما يحتاجه السوق، مشيرا إلى أن مجلس البحث العلمي يقدم الدعم الكامل لهذا القطاع سواء في مجال البحوث أو للطلبة من حملة الماجستير.

 

 

 

من جهته، قال المهندس خميس الصولي رئيس جمعية المهندسين العمانية إن المؤتمر يناقش في هذه النسخة واحدة من أكثر القضايا ارتباطا بعملية التنمية الشاملة في بلداننا العربية، وهي قضية التعليم، وبصفة خاصة التعليم الهندسي، وأثر هذا التعليم الهندسي في بناء الاقتصاد القائم على المعرفة. وأضاف الصولي- في كلمة ألقاها خلال المؤتمر- أنّ مسيرة التعليم في البلدان العربية شهدت متغيرات وتطورات عديدة على مدى العقود الماضية؛ حيث سعت الحكومات العربية إلى مواكبة المستجدات كلٌ على قدر استطاعته، مشيرا إلى أن الحكومة الرشيدة تحت قيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- أولت رعاية كبيرة لقطاع التعليم، ونجحت في العمل على تطوير مختلف المناهج التعليمية بما يواكب المستجدات، كما بذلت وزارة التعليم العالي وجامعة السلطان قابوس جهودا مقدرة أيضا في تطوير التعليم الهندسي، إلى جانب جهود الكليات الخاصة التي تدرِّس الهندسة.

 

تطور حضاري

وتابع الصولي أنّ السلطنة تشهد تطورا حضاريا في العديد من النواحي والمجالات، وبصفة خاصة في قطاع البنية الأساسية؛ حيث قطعت بلادنا شوطا كبيرا في مسيرة التطوير والتحديث بهذا القطاع، فخلال 48 عاما من النهضة المباركة، تحققت على أرض عمان الكثير من المشروعات في مجالات الطرق والنقل العام والموانئ والمطارات والخدمات اللوجستية، ومشاريع المياه والكهرباء والاتصالات بمختلف أنواعها، وهو ما يؤكد البعد التنموي للخطط والسياسات والاستراتيجيات التي تنفذها حكومة السلطنة في مختلف ربوع البلاد.

وبين الصولي أنه خلال العقدين الأخيرين فقط، شهدت البلاد نقلة نوعية في مستوى الطرق وخدمات النقل، بفضل البنية الأساسية المتميزة التي نفذها مهندسون مهرة استطاعوا أن يقاوموا التحديات الطبوغرافية والتضاريس المختلفة فيها. وأشار رئيس جمعية المهندسين العمانية إلى أنه على مستوى التوسع العمراني الحضاري، تشهد مختلف ولايات السلطنة نهضة عمرانية غير مسبوقة، تعكس التوسّع الحضاري بفضل ما تبذله الدولة من جهود لإيصال الخدمات إلى كل أرجاء البلاد، وما يستلزم ذلك من تنفيذ مشروعات بنية أساسية عملاقة، وكذلك الحال في مشاريع المطارات والموانئ، لافتا إلى أن افتتاح مطار مسقط الدولي الجديد ترجمة لهذه الجهود الهائلة التي تستهدف تحويل السلطنة إلى دولة متقدمة في مختلف المجالات، ومن بينها مجالات البنية الأساسية، والذي من شأنه أن يدعم خطط النمو على المستويات كافة. ومضى قائلا: "إذا نظرنا إلى الموانئ، نكتشف حجم التطور الحاصل فيها، سواء كان في ميناء صحار أو صلالة أو الدقم، فضلا عن ميناء السلطان قابوس الذي يجري العمل فيه حاليا لتحويله إلى ميناء سياحي يضم مرافق سياحية عدة. وكل هذه الجهود والمشاريع تصب في خدمة منظومة البنية الأساسية بالبلاد، وتترجم الإنجازات المتواصلة في مسيرة التنمية والتحديث والتطوير".

وزاد قائلا: "إننا عندما نتحدث عن تأثير مخرجات التعليم العام ما قبل الجامعي في جودة التعليم الهندسي ومخرجات المهندسين، فإننا نشير إلى مجموعة المفاهيم والمعارف التي يكتسبها الطالب خلال التعليم المدرسي قبل الجامعي، وما إذا كان داعما لقدارت الطالب على الانتقال إلى مرحلة أخرى من التعليم تتطلب معرفة جيدة بعدد من المصطلحات والمفاهيم التي تعينه على دراسة الهندسة في الجامعة، فالتحدي الأبرز أمام الأكاديميين في كليات الهندسة يكمن في عدم تسلح الطالب بمستويات معقولة من المعارف والمفاهيم والنظريات الهندسية التي تحفزه وتساعده على دراسة الهندسة والتميز فيها، أذكر منها دراسة الهندسة باللغة العربية في المرحلة المدرسية، ثم مواجهة الطالب لإشكالية الدراسة باللغة الإنجليزية في المرحلة الجامعية، فضلا عن تحدٍ آخر متمثل في ضعف التطبيق العملي للطالب في السنة الأولى بكليات الهندسة، فقد اعتاد خلال الدراسة قبل الجامعية على الدراسة النظرية من خلال الحفظ والتلقين وغيره، إلى جانب ضعف الطالب أيضا في مادتي الرياضيات والفيزياء. وهذه تحديات أساسية نأمل أن نصل من خلال هذا المؤتمر إلى حلول ومقترحات تدعم تجاوزها والقضاء عليها".

الثورة الصناعية الرابعة

وعرج الصولي إلى الحديث عن مخرجات الثورة الصناعية الرابعة؛ حيث قال إنّها أفرزت العديد من الأفكار الثورية التي غيرت وجه الكون، وسهلت الكثير من الخدمات والمشروعات، وفي المقدمة منها الذكاء الاصطناعي، الذي بات يؤثر تأثيرا عميقا على توقعات العلماء للمستقبل. وبين أنه من خلال هذا الذكاء الاصطناعي يمكن تنفيذ مشروعات عملاقة بخطوات بسيطة وبجهد أقل عما سبق، فمثلا مبنى مقاوم للزلازل يمكن إنشاؤه عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي تضع الافتراضات والسيناريوهات وبالتالي تقترح الحلول والأدوات الكفيلة بتنفيذ هذا المشروع، وأيضا استخدام الروبوت- والذي يعد أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي- في تنفيذ المشاريع بطريقة آلية أسرع من الإنسان. وشدد على أن كل ذلك يمثل طفرة هائلة في مسيرة التقدم الإنساني وجهود إعمار الأرض، وبالتالي التأثير على المجتمعات، ومنها مجتمعاتنا العربية، في ظل عالَمٍ متغيرٍ يموج بالتطورات المتلاحقة ساعة تلو الأخرى، داعيا إلى ضرورة وضع رؤية مستقبلية تستشرف كيفية التعامل مع هذه المتغيرات وفق حلول هندسية عميقة الأثر.

واختتم الصولي حديثه بتسليط الضوء على مجموعة من الإحصاءات تبرز مدى احتياج البشرية إلى جهود الأعمال والمشاريع الهندسية، من أجل تحقيق مستوى أفضل من المعيشة، مشيرا إلى أنه لا يتحدث عن بناء مجمعات سكنية متكاملة أو مشاريع عقارية، بل يبرز أرقاما عن مشروعات تنموية لو تم تنفيذها لقطعت الإنسانية شوطا كبيرا في مسيرة تقدمها وتطورها. وذكر منها على سبيل المثال، أن نحو مليار ومئة مليون إنسان حول العالم يعانون من عدم الحصول على التيار الكهربائي، وأكثر من ضعف هذا الرقم أي نحو مليارين وما يزيد عن 200 مليون شخص ليس لديهم صرف صحي، ونحو 660 مليون شخص لا يحصلون على ماء نظيف، وبحسب تقرير دولي صادر عن المنتدى العالمى للمياه فإن نصف سكان العالم سيعيشون فى مناطق تعاني من نقص المياه بحلول عام ألفين 2025، إضافة إلى أن ثلث سكان العالم لا تتوفر لهم طرق آمنة، وأن 150 مليون طفل في العالم يموتون أو لا ينمون طبيعيا بسب التلوث وأسباب أخرى.

 

التنمية في الوطن العربي

إلى ذلك، قدم المهندس أحمد الجولو رئيس مجلس إدارة جمعية المهندسين القطرية كلمة قال فيها إن التعليم الهندسي يمثل عنصراً مهما من عناصر التنمية في الوطن العربي للحاق بدول العالم المتقدم، لافتا إلى أنه في ظل غياب التعليم الهندسي المتميز، ليس بالإمكان تحقيق التقدم في المجالات الهندسية المتغيرة في عالمنا الحاضر، ولا يمكننا تنشئة مهندس عربي يستند على قاعدة علمية متينة دون تطوير وتحديث نظام التعليم الهندسي في جامعاتنا وكلياتنا الهندسية. وأكّد أنّه من هذا المنطلق ينعقد المؤتمر الهندسي العربي ليضع النقاط على الحروف ويطرح الأفكار والآراء التي من شانها أن تسهم في تطوير التعليم الهندسي في بلداننا العربية، مستدركا أنّ ذلك لا يعني غياب الجامعات أو الكليات الهندسية المتميزة، بل إن هناك بالفعل بعض الجامعات العربية المتميزة، إلا أنّ طموحنا كبير في أن نرى نقلة نوعية في معظم أن لم يكن كل جامعاتنا الهندسية.

وأضاف الجولو: "نعلم أن طريق التميز طويل، إلا أنّ هذا يجب ألا يثنينا عن تحقيق آمالنا وأهدافنا، ونأمل في وجود مهندسين عرب متميزين ينهضون بأمتنا ويساعدونها في بناء نهضتها العمرانية والصناعية والزراعية وأن نحقق اكتفاءنا الذاتي في كل أمور حياتنا، كما نطمح بأن يكون هناك دور كبير لهيئاتنا ومنظماتنا وجمعياتنا ونقاباتنا الهندسية في النهوض بالتعليم الهندسي بالتعاون مع الجامعات في دولنا العربية، وذلك بالتواجد مع الجامعات جنباً إلى جنب في وضع البرامج الهندسية وتقييمها والتشاور في هذا المجال لتحقيق تعليم هندسي متميز، وإيجاد مهندس عربي كُفء قادر على بناء وطنه". وأعرب الجولو عن قناعته الكبيرة بإمكان جمعياتنا وهيئاتنا ونقاباتنا القيام بدور كبير في النهوض بالمهندس العربي والمساهمة في تأهيله وتدريبه وتطويره ليأخذ دوره في البناء وتحقيق التنمية الشاملة للوطن العربي الكبير.

اقتصاد المعرفة

من جهته، قدم الدكتور عبد الباقي الخابوري مدير دائرة المناطق العلمية بمجلس البحث العملي عرضا مرئيا ركز فيه على الثورات الاقتصادية وعلى الاقتصاد المبني على المعرفة، كما أوضح في عرضه المرئي الفرق بين الاقتصاد التقليدي والاقتصاد المبني على المعرفة، وتحدث عن مجمع الابتكار مسقط وآلية استهلاك الطاقة والخدمات التي يقدمها.

وألقى المهندس حسام بن عبدالله الجهضمي من شركة تنمية نفط عمان ورقة عمل حول التميز في إدارة المشاريع، تناول فيها آليات تحقيق الجودة في تنفيذ المشروعات الهندسية، مشيرا إلى أهمية تطبيق مبادئ الأمن والسلامة والصحة المهنية، وسلامة العمليات في المشروع، بجانب انتهاج الشفافية في إبرام العقود مع المقاولين.

وناقش المؤتمر عِدَّة محاور؛ تناولت أثر التعليم قبل الجامعي على جودة التعليم الهندسي، وبناء القدرات والكفاءات الهندسية لتلبية احتياجات السوق، وأهمية البحث والتطوير في جودة التعليم الهندسي، وشهد المؤتمر تنظيم 4 ورش عمل بالتوازي متعلقة بالتعليم الهندسي؛ قدمها خبراء بارزون من الأوساط الأكاديمية، وركزت على مختلف جوانب التعليم الهندسي. وناقشت ورشة العمل الأولى الاعتماد وانعكاساته، والتي تركز بإيجاز على الاعتماد وآثاره والتحضير للاعتماد وتطوير نظام التحسين المستمر لبرامج التعليم العالي. أمّا ورشة العمل الثانية فتناولت تعليم مهارات "STEM" (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات) عبر الروبوتات التي تهدف للتطوير المهني للمهتمين باستخدام مجموعات الروبوتية لاستكشاف هذا العالم من خلال الأنشطة العملية، وتعلم كيفية تعزيز التفكير الحسابي للطالب، والتفكير في التصميم، ومهارات حل المشكلات.

فيما ناقشت ورشة العمل الثالثة استراتيجيات التعلم النشط، وهدفت إلى تزويد المشاركين بإطار عمل يعتمد على مجموعة من المبادئ والاستراتيجيات الخاصة بالتعليم والتعلم، لتمكين المشاركين من اعتماد هذه المبادئ والاستراتيجيات لتطوير أساليب فعالة. وعرضت ورشة العمل أمثلة لتطوير أو مراجعة أهداف التعلم في الدورة التدريبية، وتحديد أساليب التعلم، وتطبيق أساليب التعلم النشط في الدورة. فيما حمل عنوان ورشة العمل الرابعة "الترخيص المهني للمهندسين في الأردن"، وشارك فيها عدد من الخبراء والمختصين الذين تناولوا آلية الترخيص المهني للمهندسين في الأردن.

يشار إلى أنّ المؤتمر يمثل منصّة لكل المهتمين في التعليم الهندسي من أكاديميين وباحثين ومهندسين والمهتمين بالبحث العملي، لطرح ومشاركة خبراتهم ومعلوماتهم المتعقلة بالطرق الحديثة للتعليم الهندسي، ويشارك فيه نخبة من الأكاديميين والمهندسين العرب من أكثر من 18 دولة عربية.

تعليق عبر الفيس بوك