في انتظار رخصة الوالي

 

علي بن سالم كفيتان بيت سعيد

 

بعد تقديم طلب السفر إلى مقر كتبة الوالي الواقع على أطراف قصر الحصن خرج الرجل وتبعه عمه الشيخ سعيد وعلى الطريق أبدى له الشيخ قلقه من تبعات سفره؛ فالرجل كان يقوم على رعاية أسرته ومواشيه أثناء غيابه لمهمات يكلف بها من قبل والي الحكومة، كما أنه يحرص على حضور البرزة كلما سمحت الظروف فهي دار الحكم والقضاء وتداول الأخبار وتنظيم شؤون الناس اليومية لكنه سرعان ما تغلب على تحفظه وبارك سفر ابن أخيه في ظل الظروف العصيبة التي تعانيها الأسرة وعندما تناولا صعوبة الحصول على الإذن بالسفر قال الشيخ إنَّ الوالي حمود يقدره وإذا تطلب الأمر سنستعين بالشيخ سليم بن طمطيم وما راح يقصر (بن سلتوه) فالرجل صديق قديم والوالي لا يرد له طلبا.

كان أمامهما جمل عليه القليل من المتاع ويسيران على عجل وعند الوصول إلى عوقد استأذن الرجل عمه وتفارقا فبينما أكمل الشيخ طريقه للريف ذهب الآخر إلى صديقه ابن النقيب فجلس معه على عتبة المنزل وأخبره بتقديم الطلب فدعا له بالتوفيق وزوده بما يكفي من المؤونة لأسرته وغادر إلى الجبل مجدداً ولكنه هذه المرة يحدوه الأمل بالسفر ليفرج عن أسرته هذا الكرب العظيم، كان مسرعاً ومبتسماً ومسلماً على جميع من صادفهم في الطريق ربما هي لحظات الأمل بغد أفضل.

غير بعيد عن مكان القرية تسابق إليه ابناه اللذين كانا يرقبان الطريق فهما ولد وبنت ترعاهما الجدة بعد أن كتب لهما اليتم مبكراً، أخذهما في حضنه وأردفهما فوق الجمل فملأت ضحكاتهم المكان وهم على ظهر ذلك البعير الذي يتهادى تحت أغصان الأشجار وبين الجروف الصخرية في هذه اللحظات دخلت العبرة إلى قلب ووجدان الأب فتساقطت دموعه مُعلنة عن بدء مراسم الوداع المُبكرة للسفر منذ ذلك اليوم كان حريصاً على البقاء معهم معظم الوقت يُلاعبهم ويبث السرور في أنفسهم الغضة الطرية ففي العادة يغيب كل من سافر عدة سنوات وكأنه يريد أن يعوضهم أكبر قدر من الحنان قبل رحيله.

القرية الحجرية في العادة تستوطنها عدد من الأسر فالكهوف تكون مقسمة بعناية بحيث تحوي الجميع وتؤمن المسكن الآمن لهم ولمواشيهم، فوصل الأب قبل حلول المغرب ومعه الطفلان والجمل والقليل من المتاع الذي جلبه من المدينة في ذلك اليوم وعندما نام الأطفال بنقل نيته السفر لوالدته التي اعترضت أولاً ثم قبلت تحت ضغط الإقناع بأنَّ الظروف لم تعد تسمح بالبقاء حتى تنفق جميع الأبقار ويموت الأطفال ولكنها كانت قلقة إلا أنه طمأنها بأنَّ أخوه الوحيد موجود وسوف يتولى شؤونهم اليومية، كما أنه قد اتفق مع صاحب دكان المؤونة في الحصن أن يستمر في إمدادهم بما يحتاجونه من الغذاء والكساء على أن يُرسل له كامل دينه السابق وأي استهلاك لاحق عبر حوالة نقدية من الخليج إلى عدن عن طريق مكتب حبظة الذي كان يقوم بهذه المهمة في تلك الحقبة لجموع المهاجرين إلى العالي.

وفي هذه الأثناء لم ينقطع الرجل يوماً عن زيارة كتبة السلطان في قصر الحصن مستفسراً عن مصير الرخصة وهل الوالي وافق عليها أم أنَّها لا زالت في طور التمحيص وبعد تسعة أيام من المُراجعة المُتعبة أبلغه الحارس بأنَّ اسمه نزل في سجلات المسموح لهم بالسفر وعليه من الآن أن يُنسق أمور سفره الأخرى من حيث انتظار موسم الهجرة إلى الخليج عندما تهب الرياح وتدفع أشرعة السفن إلى الشمال بالإضافة إلى حجز موقع على السفينة والحصول على مُوافقة الربان بعد دفع إيجار السفر مُقدمًا كل هذه الإجراءات لم تكن مهمة الآن المهم أنَّه حصل على الموافقة في وقت قياسي.

يمم صوب المسجد الجامع وأحسن الوضوء وصلى ركعتين شكراً لله على ما تيسر له في هذا الأمر وعقبها قفل راجعاً على عجل ليُبشر صاحبه الذي ينتظره في عوقد ويدعو له ليل نهار بالتوفيق وهنا كانت البشارة الطيبة حتى أن جميع أهل البيت احتفلوا وباركوا له هذا التيسير وتمنوا له الخير والفرج القريب لكن ابن البرك لم يستطع كتم دموعه على فراق صاحبه وصديق عمره.