"مجلس التعاون".. قليل من الإرادة

مسعود الحمداني

يعقدُ مجلسُ التعاون لدول الخليج العربية قمَّته التاسعة والثلاثين، اليوم، وَسْط الكثير من التحديات، والقليل من الإرادة؛ فهذا الكيان السياسي العربي الذي كُنا نفاخر به أصبح ورقة تَلْعَب بها الرياح، والخلافات البينية، وأصبح مُجرَّد لقاءات لا تخرج بغير البيانات الفضاضة الإنشائية التي لم يجنِ منها أبناء المجلس فائدة مباشرة غير تطبيق الضرائب عليهم، وموقع "مميز" في مطارات الدول الأعضاء لتخليص إجراءات مواطني المجلس.

المجلس بدأ كبيرًا بطموحاته وآماله، وبنت عليه شعوب المنطقة كثيرا من الأحلام، غير أن هذه "الأحلام" تحولت في فترات إلى كوابيس تعصف بدوله، وخططها الإستراتيجية، وخرج قطاره عن مساره مرات ومرات، لكنه في كل مرة يعود إلى قضبانه من جديد؛ لذلك تظل شعوب الخليج تنظر إليه كطوق نجاة في محيط من الأزمات والتشابكات السياسية، والتجاذبات المخيفة التي لن ينجو منها أحد إذا ظلت سفينته متأرجحة ودون بوصلة، ولا تساير تطلعاته، ولن يستقيم ظل هذا الكيان إلا إذا التفتتْ قياداته إلى الداخل، وتركت عنها تلك "المغامرات" وصراع الزعامات التي لن تقود الشعوب إلى أبعد من كثبان الرمال التي تحيط بها.

لم تخرُج قِمم مجلس التعاون في كثير من دوراتها عن الصيغ الخطابية، التي تتكرَّر في كل دورة، وتؤجَل فيها الأفكار الوحدوية الحقيقية إلى قمم أخرى، ولا أعني بالوحدة هنا الوحدة السياسية، لكنها وحدة الرؤى، والاتجاهات، وتحقيق آمال الشعوب التي صبرت كثيرا وهي تنظر إلى القمم الخليجية بعين الأمل، إلى ان أصبحت هذه الشعوب جزءا من الصراعات والخلافات الخليجية-الخليجية، بل وتمَّت أدلجة شعوب الخليج لتأجيج صراعات القادة والدول، حتى غدتْ بعض الشعوب دون إرادة أو وعي بما تحدثه من "انفصالات ودية" بينها؛ نتيجة خلطها بين السياسة والأواصر الكبرى المشتركة، بل واستنفدت طاقاتها الوحدوية عند بوابات الخلافات السياسية التي كان من المفترض أن تَنأى بنفسها عنها، ولكن بعض الساسة أبوا حتى الإبقاء على هذا الحبل الوثيق دون قطع، ولم تُحافظ بعض دول المنطقة حتى على خطوط العودة بين شعوبها والتي ستحتاج سنوات طويلة لتعود إلى صفائها، ولتتخلص من عقدة الشعوبية البغيضة التي غرسها فيها الساسة، ولم يتبق غير خطوط مدمرَة من العلاقات الاجتماعية بين شعوب الخليج، وهي الحصان الذي كنا نراهن عليه، ونفخر به، غير أنه ما عاد كذلك.

مجلس التعاون الخليجي بحاجة إلى "ثورة" عارمة في هيكليته، وإعادة ترتيب أوراقه؛ فالزمن لا يرحم الضعفاء، والدول الكبيرة لا تعطف على الدول الصغيرة، إذا لم تتعاطف هذه الدول فيما بينها؛ فالتكتلات السياسية غير المنسجمة قد يكون ضررها أكبر من نفعها، ومحاولة السيطرة والزعامة والانفراد بالقرار في كيان وحدودي قد يكلف كثيرا؛ لذا فإنَّ هذه القمة يجب أن تحل أولا الخلافات الثنائية، وأن تصفِّي النوايا التي شابها الكثير من السواد، وأن يكون عمل دولها المُعلَن يتطابق مع عملها داخل أروقة الحُكم، وأن تلتفت هذه الدول إلى بناء شعوبها، وتعزيز إمكانياتها، وزرع الثقة بينها، وأن يكون مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لغيرها أساسا لسياساتها، وأن تحل خلافاتها بالحوار والدبلوماسية، وأن تنهي الحملات الإعلامية المسيئة لبعضها، وتتوقف عن تحقير بعضها البعض، وأن توحد بعض الإجراءات إرضاءً لشعوبها "الصبورة" والتي علقت على المجلس آمالا كبيرة، ولكن خاب ظنها.

... إنَّ مجلس التعاون يمرُّ في قمته الحالية بأزمة حقيقية؛ فإما عبورها بإرادة وعزيمة ونية صادقة، وإما الغرق في وحل الخلافات والأزمات.. وهذه لا تحتاج إلى مجلس، ولا إلى قمم.