حمود بن علي الطوقي
أطل عليكم بمقالي الأسبوعي هذه المرة من العاصمة الكورية سيؤول، تبهرني كوريا الجنوبية هذه الدولة الآسيوية التي تخطو خطوات متسارعة في كافة مجالات التنمية، نعم هذه هي كوريا التي تقود قاطرة التكنولوجيا والثورة الصناعية الرابعة أصبحت محط أنظار الكثيرين ممن يبحثون عن التميز والإبداع. ليس فقط على مستوى النمور الآسيوية بل على مستوى العالم.
أتردد على هذا البلد من وقت لآخر وأسأل نفسي في كثير من الأحيان؛ يا ترى ما هي أسباب تميز هذا البلد، الذي لا يملك مصادر للطاقة ولا مواد خام؟ هذه الموارد التي تعتبر أهم مصادر الدخل في العديد من دول العالم والدول الخليجية على وجه الخصوص.
عندما تزور كوريا حتمًا ستجد الإجابة على العديد من الاستفسارات والأسئلة، فهنا الأمور مختلفة تمامًا وعجلة الدوران تدور في أفق واسع، كون أن العمل بالنسبة للمواطن الكوري رسالة مقدسة. كيف يا ترى ستكون تلك الرسالة لو كانت مقرونة بحب العمل والإخلاص والاتقان .
هذه الثلاثية جعلت من كوريا أنموذجا للنجاح والتميز يشار إليه بالبنان.
هنا في كوريا لا يمكنك أن ترى من يتذمر فالكل يعمل ويكافح، فهذه الصفة أي التذمر لا تتناسب مع مكونات الثقافة الكورية، فالارتكاز هنا على ثقافة العمل والإبداع، الكل يعمل ويخلص بل ويتقن العمل لا ينتظر توصية، فقنوات العمل متاحة للجميع، والتخاذل عن العمل وصمة عار يمقته الجميع.
أسوق هذا المثل وأنا أنظر إلى مجتمعاتنا الخليجية على وجه الخصوص التي تعتبر مورد الطاقة الأهم وهي شريان الحياة وشعلة تنير دروب التقدم والازدهار.
ونحن في عُمان حالنا كحال أشقائنا في دول مجلس التعاون الخليجي اعتمدنا على مورد النفط والغاز كمصدر للدخل القومي وظل هذا المصدر اللاعب الأكثر حظوظا وحضورا واستحوذ على اهتمام الجميع نظرًا للدور الكبير الذي لعبه في قيادة الدفة الاجتماعية والقاطرة الاقتصادية.
السؤال الذي نطرحه إلى متى سنظل نعتمد على هذا اللاعب المحترف؟ أليس من المهم أن نبحث عن لاعبين ومحترفين جدد نؤهلهم لمرحلة الاحتراف بدلاً من السكون في دكة الاحتياط .
أقول هذا الكلام وأرى أنه آن الأوان لكي ننطلق ونوجه البوصلة إلى موارد جديدة وهامة وهي موارد متاحة ظلت مشلولة لسنوات لأنها لم تمنح الفرصة للإبداع والتميز ولاشك أننا نتفق أنه يجب أن نستفيد من الأزمة الخانقة التي تعصف بمورد النفط، ونبدأ بالعمل نحو تنمية قطاعات واعدة مثل قطاع التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات والسياحة والثروة السمكية والقطاع اللوجستي والأهم من كل هذه وذاك قطاع تنمية الموارد البشرية.
أعود إلى تميز جمهورية كوريا الجنوبية والتي بدأت نهضتها التنموية مع مطلع السبعينيات وقفزت بشكل مُلفت للنظر لتصبح الآن من أكبر اقتصادات العالم، هذه الدولة اعتمدت على بناء الإنسان وتنمية الموارد البشرية وبهذا الاهتمام صنعت للمواطن مكانة مرموقة وبدوره لم يبخل في رد الجميل وابتكر ليشارك الحكومة في رسم الخارطة التنموية في البلاد.
أعود للاعبنا المحترف "النفط" وكما نطلق عليه الذهب الأسود. هل يا ترى سيتمسك بالصدارة في ظل الظروف الجيوسياسية أم أنه سيتأثر وقد يفقد فريقه في العقدين القادمين، هنا يجب أن نقف من الآن وقفة تحدٍ لاختيار البدائل والتي تم ذكرها ونتجاهل مورد النفط والغاز ونعمل ضمن سياق المثل القائل "رب ضارة نافعة" وأقصد هنا أن البدائل ستحرك عجلة الاقتصاد ومن هنا أستطيع أن أجزم بأن تصريح سعادة الأخ سالم العوفي وكيل وزارة النفط والغار الذي حذّر من وجود أزمة حقيقية في مورد الغاز إن لم تكن هناك اكتشافات جديدة، لهي إشارة واضحة للبحث عن موارد جديدة ذات قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، ولا شك أن هذا التحذير يأتي في إطار التحديات التي تواجه هذا القطاع القابل للنضوب تارة وتذبذب أسعاره تارة أخرى والتطورات المتعلقة بأسعار الطاقة البديلة والتوجهات نحو النفط الصخري وغيرها من التحديات تجعلنا نضع صب أعيننا الخطط البديلة والتركيز على إستراتيجية التنويع الاقتصادي والعمل على تنفيذها، لأن أي تأخير لن يكون في صالحنا فالسباق نحو التميز أصبح الهاجس الذي تتطلع إليه كل الدول المتحضرة.
فهل يا ترى سننافس في هذا السباق ونحرز لعمان الذهبية بجدارة.
إذا آن الأوان أن نعتمد على مواردنا البشرية التي ستخطف ذهبية السباق بجدارة واستحقاق.