مدرين المكتومية
نمرُ في حياتنا بالكثير من المحطات، منها ما يمنحنا الأمل والفرحة، ومنها ما يُصيبنا بالألم والحزن، لكن المرء الإيجابي هو ذلك القادر على تحويل هذه المحطات إلى عوامل دعم تساعده في التقدم للأمام لا التراجع للوراء.
وربما من بين ما نُعانيه من حولنا، الازدواجية التي قد يُمارسها المحيطون بنا، ما يتسبب في خلق فجوة في التواصل معهم، وهذه الفجوة جزء من الفجوة الأكبر في الحياة، فالمثالية في كلمات اللسان أو في الكتابة ليست بالضرورة تعكس واقع الشخص الذي يتكلم أو يكتب، بل تعكس الازدواجية لدى هؤلاء، فمثلاً رسائل الجمعة يبعثها البعض من أجل أن يتواصل بها كل أسبوع مع قائمة الاتصال لديه، لكنه لا يقرأ أو يفهم أو يطبق ما تتضمنه من عِبر وحكم، وهكذا الحال أيضًا مع بعض المثقفين الذين يدَّعون الفهم ويُطالبون بالكثير من الأشياء ممن حولهم، لكنهم يقفون عاجزين عند أبسطها في التطبيق فنجد البعض منهم لا يهتم لأمر منزله، والآخر مهمل في هندامه، والبعض منهم يكرر أخطاءه دون وعي أو إدراك!!
وفي مختلف جوانب الحياة هناك في كثير من الأحيان ازدواجية في المواقف، فيما نقول وما نقوم به، ازدواجية على مستويات متفاوتة وفي مجالات مُختلفة، فتجد مثلاً على مستوى الإنجاز أنَّ الكثير من الفعاليات المقامة تناقش وتستضيف شخصيات على مستويات كبيرة، لكن ما تخرج به من توصيات لا يُطبق ولو تمَّ تطبيقه فيتم تطبيق النذر اليسير، بينما الكثير منها يذهب أدراج الرياح. وعلى المستوى التعليمي، لدينا ازدواجية في المناهج التي لا تناسب ولا تتلاءم مع احتياجات سوق العمل، فهناك من يدرس ويبذل ويسعى بكل طاقته خلال سنوات الدراسة كي يتفوق، لكن بمُجرد انخراطه في سوق العمل يكتشف أنَّ كل ما تعلمه بعيد كل البعد عن ما يمارسه من مهام أثناء العمل. وكذلك حال الشخص الذي يرسم أحلاماً كبيرة في مخيلته لكنه لا يتخذ خطوة واحدة لتحقيق هذه الأحلام..
أين الخلل إذن؟ هل في ذواتنا التي تُمارس هذه الازدواجية؟ أم في القوانين والضوابط والأعراف والمجتمع من حولنا الذي يدعي في كثير من الأحيان الكمال لكنه على غير ذلك تمامًا؟! لماذا يتقاعس الكثير منِّا عن تحقيق أحلامه ولا يسعى لاتخاذ خطوات تدعم فكرته، فيما يظل يندب الحظ وسوء الظروف المحيطة به؟!
عندما نتحدث عن الواقع وإمكانية التطبيق فإننا يجب في البداية أن نتحلى بالصراحة مع أنفسنا وأن نكون على قدر كبير من الوعي بقدرات بعضنا البعض، كل منِّا يدرك إمكانياته وطاقاته، ويعلم جيداً مدى قدرته على أن يحقق كل ما يردده على مسامع الغير من فرص، لكن هل اتخذ الخطوة اللازمة نحو ذلك.. الأغلب لا!
ومن جانب آخر، علينا أن ندرك أيضًا حجم إمكانات الجهات المعنية وقدرتها على تطبيق كل ما يتم طرحه في المؤتمرات والندوات، وما تخرج به من توصيات، سواء على المستوى الإداري أو البشري أو الاقتصادي، فالكثير من الأمور تحتاج منِّا إلى إعادة نظر في مدى قدرتنا على تنفيذها أو تحقيقها، وأيضًا علينا أن نتحلى بالموضوعية والإتزان في الطرح، لا أقول هنا إنّ علينا ألا نسعى بل علينا أن نبذل كل الجهد لنكون قادرين على تنفيذ كل ما تردده ألسنتنا وكل ما يدور في مخيلتنا، علينا ألا نقف عند نقطة بعينها أو موقف بعينه دون أن نكمل المشوار أو أن نحقق جزءا منه على مختلف المستويات.
إنَّ رسائل الأمل دائمًا مغلفة بالتحديات، والمرء منِّا مطالب بعدم التخلي عن الأمل في تغيير الواقع الذي يعيشه، وهو ما سيساعدنا على التخلي عن الأفكار المزدوجة، بين ما نريد وما لا نستطيع القيام به. فلن نتمكن من العيش في هذه الحياة إذا لم نحسن التدبير، تدبير أمورنا، وترتيب أفكارنا ومواجهة الظروف المحيطة بنا من أجل أن نتجاوز المحن والتحديات. فالتغلب على فجوة الازدواجية يكمن في المبادرة بالقضاء على ما يُعرقل مسيرتنا، إذا أراد المرء منِّا أن يتخذ قرارا ما فليكن على قدر المسؤولية، وأن يتحمل الأعباء الناجمة عن أي قرار يتخذه، وأن يواجه الحياة بجرأة وشجاعة.