القلق الوجودي

 

 

◄ السعي لإيجاد معنى للحياة والرضا الوجودي أحد أهم مقومات الاستمرار فيها والتخلص من القلق يُساعد الفرد على المضي إلى الأمام

رحمة راشد

ما الدافع الذي يدفعنا للنهوض من السرير ومُمارسة طقوسنا اليومية؟ لماذا نذهب للعمل؟ لماذا نتزوج؟ لماذا نُنجب؟ الغرق في أحداث الماضي والقلق حول الجدوى من كل الذي نفعله خلال حياتنا والمصير الذي سنؤول إليه في نهاية المطاف بالإضافة إلى الخوف من الموت، كلها هواجس تمر على البعض مرور الكرام ولا تُؤثر كثيرًا على حياتهم، بينما يتوقف البعض الآخر معها طويلاً مسببة لهم ما يسمى بـ (القلق الوجودي)، وغالباً لا يجد الإنسان إجابة شافية يستطيع بها التخلص من هذا القلق الذي يؤدي إلى عرقلة الأفكار ويسبب إنهاكا عاطفيا يمنع الفرد من الاستمتاع بحياته، من الاستمتاع بوجوده، من الاستمتاع بعيش اللحظة، حتى أنه قد يقتل الإرادة فيصبح وجوده كإنسان ضعيفاً هشًا لا قيمة له. 

بإمكاننا برؤية من حولنا ملاحظة أن مُعظم البشر يعيشون حياتهم أسرى لتلك الهواجس والماضي، يعيشون وهم يستحضرون ماضيهم في كل لحظة من لحظات حياتهم، فتضيع أيامهم الحاضرة في التفكير بالماضي والقلق المُبالغ فيه من المُستقبل، في هذه الحالة يفقد الإنسان وجوده الفعلي والإحساس به، ولا يعود يعرف أين موقعه بالضبط في الحياة ولا ماذا يفعل؟! من أجل تفادي هذا التَّخبط الذي يستهلك حياة الفرد يقول عالم الأعصاب (سام هاريس) "من المفيد أن نأخذ استراحة من التفكير، ونُراقب أفكارنا كيف تسير وكيف تعمل، من المفيد التوقف عن الحديث عن النفس واسترجاع آلام الماضي والقلق والخوف من المُستقبل لأنَّ هذه الأفكار تجعل الإنسان يعاني جداً، لذا من الأفضل أن يحاول الشخص الخروج من هذه الدوامة حتى ولو لوقت قصير، يحتاج لاقتطاع دقائق من وقته حتى يستطيع أن يتجرَّد من أفكاره أن يراقبها من أين تنبع؟ وأين تذهب؟ ولماذا نشغل أنفسنا بالتفكير بها؟ وهل من المجدي إضاعة الوقت من أجلها؟". من جهة أخرى نحن من يجب أن يصنع حياتنا، أن نشكل أفكارنا ونصيغها بحيث يُمكن أن تعطي لحياتنا معنى، وإيجاد وسيلة خاصة بنا للحد من القلق الوجودي، فحسب رأي مؤسس المذهب الوجودي (جان بول سارتر) " فإنَّ الإنسان مسؤول مسؤولية تامة عن أفكاره وبالتالي عن أفعاله"، فكما أن للفرد أفكارا وعوامل تقوده لمناطق عمياء فهناك أفكار مضادة تذهب به لإيجاد مناطقه المضيئة، فالأفكار السلبية مثلها مثل الأعشاب الضارة تنمو بسهولة وكيفما أتفق بدون أي عناء، بعكس الأفكار البناءة فهي تحتاج للكثير من الجهد والتعب لأجل أن تنمو بدواخلنا بحيث تكون معيناً لنا في حياتنا.

السعي لإيجاد معنى للحياة والرضا الوجودي أحد أهم مقومات الاستمرار فيها والتَّخلص من القلق أو على الأقل ركنه جانبًا حتى يستطيع الفرد أن يمضي، على سبيل المثال يُحاول عالم الأحياء التطوري (ريتشارد دوكينز) إيجاد معنى خاص لحياته من خلال البحث والمعرفة، في الاكتشافات التي تُساهم في تقدم وحفظ حياة البشرية، في ترقب ما الذي يُمكن أن يحمله المُستقبل لنا، أما (ألبير كامو) الفيلسوف الوجودي فقد وجد في الكفاح ضد المُجتمع الذي يعيش فيه والذي يحاول أن يضعه ضمن إطار معين سبب كاف لاستمراره في الحياة، والبعض ذهب في البحث عن معنى لوجوده في العزلة عن واقع الحياة والابتعاد عن النمط المعيشي المعتاد كما فعل الروائي (ليو تولستوي) حتى وإن كان في نظر البعض معنى هزيلا وجافا.

كل فرد منِّا يستطيع أن يجد المعنى الخاص به لوجوده، أن يصنع مكوناته بنفسه ويُحدد مقاديره حسب احتياجاته وأهدافه، وضع واتباع إستراتيجيات معينة في خط الحياة المتاح لنا يمكّننا من النجاة من الوقوع في دوامة اليأس والاكتئاب الزمني، وليس شرطاً أن يكون الإنسان سعيدا طوال الوقت فالسعادة شيء متجدد ونحن من يفعل ذلك، يكفي الإنسان أن يشعر بالرضا الوجودي وأن يستشعر لوجوده معنى ما سواء كان ذلك متجسدًا في الفرد نفسه أو موجودا لدى آخرين يمثلون الوجود بالنسبة له (أحباء، أبناء، أصدقاء).

 

تعليق عبر الفيس بوك