استعداد الثورة الفلسطينية حين ينفذ نتنياهو وعوده

 

 

عبيدلي العبيدلي

بفضل رعونة لا يستطيع أن يتخلَّص منها، وكما أوردت وكالات الأنباء "رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدعوات لإجراء انتخابات مُبكرة، ووصفها بغير المسؤولة، مُتعهِّدا بالاستمرار في ممارسة مهامه ومواصلة جهوده الرامية لإقناع بقية شركائه في الائتلاف بالبقاء في الحكومة المترنِّحة منذ استقالة وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان". ولم يتردد نتنياهو عن تولي حقيبة وزارة الدفاع بنفسه، مدعيا أن هذا إجراء مؤقت.

تأتي هذه الأزمة في أعقاب أزمات متعاقبة هددت حكومة الكيان الصهيوني التي يترأسها بنيامين نتنياهو بالإنهيار، فقبل عام وتحديدا في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر 2017 واجهت حكومة نتنياهو الأزمة ذاتها، لكن السبب كان مختلفا. حينها كان نتنياهو يحاول أن ينقذ سفينة الحكومة التي يترأسها جراء "عاصفة الأزمات والانتقادات الشديدة التي كانت تضرب الحكومة من كل جانب". فقد كانت حينها "التحقيقات التي تجريها معه أجهزة الدولة بتهم الرِّشا واستغلال المنصب، إضافة للضغوط والهجوم المستمرّ الذي يتعرّض له من قبل المعارضة لإقالته من منصبه، بعد انتهاك حرمة يوم السبت".

اندلعتْ الأزمة حينها عندما تراجعت حكومة نتنياهو عن اتفاقها الذي أبرمته مع الكتل الدينية "بشأن حرمة العمل يوم السبت، حسب تعاليم الشريعة اليهودية".

لكنَّ اليوم، ما أشعل فتيل الأزمة مختلف تماما، فهو ليس جراء أزمة ذاتية صهيونية داخلية في صلب المؤسسات الصهيونية بقدر ما هو نتيجة مباشرة لرفض ليبرمان اتفاقَ وقف إطلاق النار الذي قبلته حكومة نتنياهو مع الثورة الفلسطينية، معتبرا -ليبرمان- تلك الموافقة بمثابة اعترافٍ ضمنيٍّ بنجاح الثورة الفلسطينية من جانب، و"ليونة غير مبررة" -من وجهة نظره- من جانب المؤسسة العسكرية الصهيونية من جانب آخر.

من ينظُر إلى طرفيْ معادلة الصراع الصهيوني-الفلسطيني خلال الربع قرن الأخير، من زاوية موضوعية تحاول أن تقرأ معادلة الصراع دون أي انفعال متراكم ولدته تطورات القضية الفلسطينية منذ قيام الكيان الصهيونية، سوف يكتشف بروز العوامل التالية التي باتت تترك بصماتها الواضحة في رجحان كفة الثورة الفلسطينية، على حساب قوة الكيان:

1- انتقال الصراع إطاره الإقليمي المكتسي صبغة النزاع العربي-الإسرائيلي، دون أن يعني ذلك وضع حدٍّ لهذا العمق العربي للقضية الفلسطينية في صفوف المواطنين العرب، إلى صراع ثنائي مباشر بين الشعب الفلسطيني، والعدو الصهيوني. إيجابيات هذا التحول، في أضيق أطرها هي نزع الورقة التي كان يرفعها الإعلام الصهيوني الذي لم يكن يكف عن تصوير دولة الكيان على أنها "مُجتمع مسالم صغير مُهدَّد من دول عربية كبيرة تحاول أن تنقض عليه وتكتم أنفاسه". فالصورة اليوم أنَّ هناك شعبًا أعزل يملك قضية عادلة يُواجه آلة حرب ضخمة تسعى لاجتثاثه من جذوره.

2- تطوُّر الحالة الفلسطينية من مجرد قضية لاجئين يبحث أصحابها عن شفقة المجتمع الدولي وتعاطف مؤسساته، إلى دولة تفرض نفسها على ذلك المجتمع، وتسير دفة مجتمع له متطلباته الطموحة، وواجباته التي ربما تعجز عن القيام بها شعوب أخرى.

3- انضمام عرب -أو بالأحرى فلسطينيو- 1948 إلى جيش المقاومة الفلسطيني، بطريقتهم الخاصة وفي إطار الصورة الضيقة التي لا يكفون عن توسعتها، وبات كل ذلك شوكة مؤلمة ومؤثرة -لصالح كفة الثورة الفلسطينية- في خاصرة الكيان الصهيوني. وبيد هذا الجيش السلمي الفلسطيني أقوى سلاح باتت تشهره الثورة الفلسطينية ، ليس في وجه عدوها الرئيس، ولكن حتى في مقاومة تلك الدول، بما فيها الولايات المتحدة عند الحديث عن حقوق الشعب الفلسطيني المغتصبة.

4- اختراق القضية الفلسطينية لمؤسسسات إقليمية ودولية، كانت تسيطر عليها، حتى وقت قريب، وكالات الإعلام الصهيونية، وتشوه حقيقة الصراع الفلسطيني-الصهوني، وتزوِّر وقائعه. فشهدنا تحولا نوعيا في مؤسسات مثل الأمم المتحدة، التي أصبحت فلسطين عضوا كامل العضوية فيها تتمتع بالحقوق التي تحصل عليها أي دولة أخرى عضو في تلك المؤسسة، وفي الوقت ذاته، مدت الدولة الفلسطينية جذور علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي واتحادات إقليمية أخرى مشابهة.

كل هذه العوامل الإيجابية التي هال البعض منا -بوعي أو بدون الوعي- فوقها التراب، وحولت القضية الفلسطينية في داخل نفوسنا العربية إلى قضية "شبه ميؤوس منها"، بفضل "التفوق الصهيوني" الذي زرعته عميقا في تلك النفوس، بشكل واع، وعلى نحو متواصل، آلة الإعلام الصهيوني، وكرستها الهزائم المتلاحقة التي عانت منها الجيوش العربية منذ تأسيس ذلك الكيان المسخ في العام 1948، وكانت أكثرها عمقا في نفوسنا هزيمة 1967، التي باتت تعرف بأوصاف متعددة، ربما أضعفها هو "النكسة".

كل ذلك لا يعني ضعف العدو الصهيوني، ولا ينفي أنه هو الآخر عرف نموا متزايدا في قوته، وحقق بفضل ما يملكه تحت يديه من مصادر قوة توفرها له بشكل مباشر مؤسساته الصهيونية العالمية والإقليمية، المرتبطة معه، والتي لها مصلحة مباشرة في استمرار بقائه. وإضافة لذلك بين يديه تحالفاته الدولية التي ليس هناك من يتقن تجييرها لصالحه أفضل منه في معاركه التي لا يكف عن افتعالها متى ما وجد الفرصة سانحة لذلك.

رؤية هذه العوامل الإيجابية التي غمرتها الهزائم العربية المتكررة، والانتكاسات الفلسطينية التي رافقتها بشكل موضوعي، والأزمات التي ولدها سلوك الثورة الفلسطينية الذاتي، يدفع المراقب لتطورات الأحداث التي تلت الاتفاق على وقف إطلاق النار، وبرزت مع تصريحات نتنياهو في ضمِّ مساعيه لإنقاذ حكومته من انهيار وشيك أو انتخابات مبكرة، إلى التوقف عمَّا قاله نتنياهو في هذه الأثناء حين قال: "ردا على الانتقادات الموجهة لقراره قبول وقف إطلاق النار مع حركة حماس التي تدير قطاع غزة، لمح نتنياهو بقوة إلى هجوم عسكري إسرائيلي في المستقبل، (مؤكدا) أمامنا عام كامل حتى الانتخابات. نحن في خضم حملة وأنتم لا تنسحبون في منتصف الحملة أو تستغلون المواقف لأغراض سياسية. أمن الدولة يعلو فوق الاعتبارات السياسية... لن أقول متى سنتحرك وكيف. لديَّ خطة واضحة. أعلم ما سنفعله ومتى نفعله. وسوف نفعله".

في ذلك تحذير واضح ينبغي أن تأخذه الثورة الفلسطينية مأخذ الجد، كي تتمكن هي الأخرى من تحضير الرد عندما ينفذ نتنياهو وعوده.