الإعلامي المسلم.. مسؤولية مهنية وشرعية


أ.د/ خالد محمود عبد اللطيف - إسبانيا
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى والرئيس التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا

مما لاشك فيه أن للإعلاميين طبائع تميزهم عن غيرهم من رواد العمل بمجالاته ومميزاته المختلفة، وعلى من يعمل في هذا الجانب أن يفهم هذه الطبائع ليسهل عليه التعامل معها. ومن الطبائع التي يتسم بها الإعلاميون بحكم مهنتهم وعملهم:
1- الربط بين أحداث ماضية وحالية:
فالإعلام بمؤسساته المختلفة يسعى جاهداً من أجل أن يحافظ على تراث ضخم ومفيد من الأرشيفات الخاصة بالأحداث والشواهد لكي يستخدمها حيث يريد وينتفع بها عندما يحتاج إليها.
هذه الأرشيفات التي تأخذ شكل الأوراق المكتوبة حيناً، والأشرطة الصوتية حيناً آخر، وأشرطة التسجيل بنظام الفيديو أو ال – (CD) في أحايين أخرى تشكل قاعدة كبيرة أمام العاملين في مجال الإعلام من أجل استثمار كل هذه المادة في برامجهم الإعلامية المختلفة التي يقومون بإعدادها وترتيبها.
هذه المادة الدسمة بما تحمله من أحداث ومجريات تاريخية، يعتمد عليها الإعلاميون من أجل أن يبنوا عليها تصوراتهم وأطروحاتهم المعاصرة، فهم يتطرقون إلى الحدث المعاصر بناءً على كونه امتداداً طبيعياً لما قد حصل من الشواهد والأحداث التاريخية، فهم يقرؤون التاريخ، ويطّلعون على أحداثه، ومن ثم ينطلقون في بناء قناعاتهم الإعلامية التي هي رهن بالحدث الإعلامي الذي يريدونه.
ويعتبر هذا الجانب الحيوي من تعامل الإعلاميين مع الأحداث نقطة قوة لهم، وخطوة يخطونها بكل ثقة في أدائهم الإعلامي، فأياً كان ضيفهم، وأيا كانت الجهة التي تمثلها، فهو بالنهاية لا يمكنه أن يتنصل من ماضيه وماضي شعبه وقضيته، وهو مسؤول عنها لا محالة.
وحتى يتعرف الإعلامي المسلم إلى هذا النوع من المعرفة الإعلامية فإنه مطالب بأن يكون على علم مسبق بالأحداث التاريخية التي مر بها شعبه، ليكون موازياً في علمه لعلم سائله، وليكون نداً إعلامياً حقيقياً لكل من هو ند له.
ولا يقتصر الأمر هنا على المعرفة التاريخية للأحداث، فالإعلاميون اليوم بما يمتلكونه من براعة وقدرات فكرية وعقلية يقومون بربط هذه الأحداث الماضية بما يجري من أحداث معاصرة على الأرض، ليضعوا ضيفهم في صورة ما تم وصورة ما يجري مطالبين إياهبالردبصورة شاملة، كذلك تشمل البعد التاريخي والواقع الحالي الذي يتم الحدث الإعلامي من أجله.
ومن الإعلاميين ذوي القدرة من لا يكتفي بالصورة السابقة بل يصوغ ما يمتلكه من معارف وحقائق تاريخية وما يجري على أرض الواقع المعاصر من أحداث، من أجل أن يقدم هذا الكل على شكل سؤال مباشر يطرحه لضيفه بأسلوب المقارنة، أو بصورة القياس ما بين الماضي والحاضر.
ولكون الإعلامي مسؤولاً عن برنامجه، فإنه يسعى وبكل جهد من أجل أن يجعل هذا البرنامج غنياً بعناصر التشويق، براقاً بحوادثه الداخلية التي تخلق التفاعل بين الضيوف وتناثر الأفكار والتوجهات؛ على نحو يجعل من البرنامج ساحة حوار وعصف ذهني مباشر.
والضعف في فهم حوادث التاريخ من الإعلامي المسلم يجعله أمام تحد صعب، فهو يواجَه بمعلومات وحقائق لم يقف عليها مسبقاً، أو يمتلك عنها صورةمجزوءة مقتضبة، وهذا لا يعينه في هذا المقام، بل سيجعله عرضة للتركيز عليه من الإعلامي المسؤول أو من أنداده وخصومه.

2- إثارة نقاط الخلاف:
من النضوج المطلوب في الإعلامي المسلم أن يتوقع بشكل مباشر أن وجوده في موقف إعلامي يقابل فيه خصومه السياسيين أو أنداده على الساحة يعني أن مساحة الخلاف ستكون أكبر من مساحة الاتفاق، بمعنى أن ما يحمله كل طرف موجود في الموقف الإعلامي يناقض ما سيحمله الآخر من فكر وطرح وتوجه، وسيقوم كل ندٍّ بمعارضة ندّه، وكل خصم بطرح ما يناقض طرح خصمه.
الإعلاميون العاملون في إدارة برامج الحوار والخلافات سواءَ بين الطوائف أو الديانات أو التوجهات يعتبرون أن هذا النوع من البرامج الإعلامية عبء كبير، ويتطلب مهارات فائقة وحنكة زائدة، ولكنه تحدٍّ لهم في خبراتهم وقدراتهم.
فالإعلامي الذي يستضيف في لقاء أو برنامج إعلامي ما ضيفاً واحداً، فإن عليه أن يتعرف على فكر هذا الضيف وتوجهه، ويتطلب منه معرفة بالأحداث الجارية والماضية في الساحة التي أتى منها هذا الضيف.
ولكن كثرة ضيوف الإعلامي، وتنوع مشاربهم الفكرية يعني أن حاجته إلى ما تم ذكره ستكون مضاعفة بحسب عدد ضيوفه وعدد التوجهات التي يحملونها.
والإعلامي برغم هذه المسؤولية يرى أن مثل هذا النوع من العمل الإعلامي يعتبر نقطة قوة له في حال نجاحه، وتشاطره هذه النظرة أيضاً المؤسسات الإعلامية التي تهتم بهذه الموضوعات وترشح لها خيرة كفاءاتها الإعلامية، وبمعنى آخر فإن النجاح في إدارة هذا النوع من الإعلام نجاح حقيقي سيضاف إلى الإعلامي ويرفع رصيده من الخبرة والتجربة والكفاءة.
في هذا النوع من الإعلام، وبعد الإحاطة بالجوانب المسبقة التي يجب على الإعلامي الإلمام بها، فإن الإعلامي هنا يظهر قدرته الذاتية وخبرته في إدارة توجيه الحوارات والنقاشات من خلال براعته في توجيه السؤال لكل طرف، وقدرته الحقيقية على تحفيز وتنشيط ضيوفه لإضفاء الحماس على برنامجه.
ومن أهم مثيرات حماس الضيوف والجمهور المتابع على حد سواء، أن يقوم الإعلامي ومن خلال ما قام بجمعه من توجهات ضيوفه وأطروحاتهم بعمل أجنده حواريه تعتمد على نقاط الخلاف بين هؤلاء الضيوف، وما اختلفوا فيه من رؤى وتوجهات.
وإثارة هذه الإشكاليات بين الخصوم يجعل كل طرفٍ يلجأ قصراً إلى الانتصار لفكرته والدفاع عنها، والتدليل على صوابيتها وبطلان ما يعارضها من أفكار، وهو ما سيلجأ إليه الطرف المقابل أو الأطراف المقابلة، وبهذا سيحمّي وطيس الحديث، وسينشدّ الجمهور إلى التناقش الذي يدخل بتلقائية في محاور هامة بعيدة كل البعد عن الشكليات والحديث الفضفاض.
وبهذا الحوار المفتعل والنقاش، يكون الإعلامي مدير البرنامج موجهاً لنقاش حاد في الغالب، كلما خبا أواره زاده سعيراً واشتعالاً.
والدخول إلى الميدان الإعلامي بهذا الفهم المسبق لنقاط الخلاف يجعل الإعلامي المسلم مدركاً لكل سيناريوهات الحوار، متحمساً لكل وجوهها وأشكالها، لا العكس.

3- التلاعب بين الخصوم:
بعد أن يقوم الإعلامي بدوره في إثارة نقاط الخلاف، وتأجيج الحوار الدائر بين الأطراف المتحاورة، فإنه يستخدم – بحكم العادة – أسلوباً تابعاً لهذا الأسلوب في الشكل والمضمون.
هذا الأسلوب هو التركيز على بعض الأمور التي يقوم أحد الأطراف بطرحها خلال النقاش ومواجهة الطرف الخصم بها بشكلها المختصر لتكون على شكل سؤال أو طلب استيضاح من الطرف المقابل.
وما بين معلومة هنا يتم التركيز عليها، ومعلومة مقابلة يوجهها إلى الخصم المقابل، فإن الإعلامي بطباعه المهنية يقوم بالتلاعب بين أطراف الحوار بشكل متعاقب، يثير هذا، ويستفز هذا، ويلمح إلى ذاك، ويطرح من عنده أمراً يثير الجميع ربما.
هذا الشكل من الطباع يحتاج إلى يقظة من الإعلامي المسلم، فأي زلة في حديثه، أو أي معلومة مغلوطة يطرحها، ستكون صيداً ثميناً للإعلامي، وسيستخدمها لا محالة في تلاعبه المستمر بين من وفد إليه من الضيوف.
وبالمقابل فإن الإعلامي المسلم لا بد أن يعي أن أي زلّة من خصمه ستكون نقطة في صالحه، وسيكون له مجال للتركيز عليها وبيانها لإحراج خصمه أو زعزعة موقفه.
وأما هذا اللون من الطباع الإعلامية المستخدمة، فإن على الإعلامي المسلم أن يفهم معناها وأساليبها، ويهيئ نفسه للصبر في مواجهتها، والحلم في تلقي السؤال، وضبط السؤال عند توجيهه، واليقين من المعلومة عند بذلها.
والإعلامي اليقظ المسؤول عن إدارة أي برنامج يجمع أطيافاً مختلفة، وتوجهات متعددة، يقف بين ضيوفه ملتفتاً إلى أي خلل أو نقيصة أو حادثة عابرة أو خطأ في الصياغة، ليجعل منها مادة إضافية إثرائية يحيي بإثارتها برنامجه الإعلامي.
4- المهاجمة المباشرة:
وهذه صورة نادرة تتم من خلال كون الصحفي واحداً من ثلاثة:
‌أ) صاحب توجه معارض.
‌ب) مدفوع الأجر من جهة ما.
‌ج) صاحب مصلحة في هذه المهاجمة.
ولأن المواجهة لأي إعلامي تعتبر نقيصة في حق المؤسسة الإعلامية برمتها، فإن هذا الأمر نادر، ولكن على الإعلامي أن يبرمج نفسه في المواقف الإعلامية على كل الخيارات، وأن يضع لكل خيار ما يتطلبه من مواقف وإجراءات.

5- الأسئلة المحرجة:
لكل إنسان مهما كان دوره أو حجمه أو صفته الفردية، ولكل تيار مهما كانت توجهاته وسماته التي يتصف بها أمور لا يريد الإعلان عنها، وأخبار لا يريد نشرها، لما يسببه نشر مثل هذه الأمور من تساؤلات وإحراجات له على أصعدة مختلفة.
ومن البديهي أن سؤال المرء عن أمر محرج له بشكل اعتيادي وبعيد عن عدسات الكاميرا يضعه في موقف لا يريد أن يكون به، أو أن يظهر به، فكيف به أمام عدسات الكاميرا وعيون الجمهور التي تتابع سكونه وحركته وانفعالاته وردوده!!.
إنه أمر محرج ولا ريب، ولكن من تفرس في طبائع الإعلاميين من خلال متابعتها في البرامج والقنوات والمحطات المختلفة يلمح هذا الأسلوب المستخدم من قبل الإعلاميين في طرح الأسئلة وتوجيهها إلى ضيوفهم الإعلاميين باستمرار.
السبب في ذلك – في نظري – هو رغبة هؤلاء الإعلاميين في بث الحيوية في البرامج التي يقدمونها؛ فمواقف العاملين على الساحة الفلسطينية مثلاً معلومة معروفة، ويتناولها الإعلام بكرة وعشياً، ولكن التميز الإعلامي المستجد، أن يقوم الإعلامي بتوفير مناخ ما يجعله قادراً على الإتيان بجديد للمشاهد والسامع والمتابع لهذا البرنامج.
ومن الحكمة بمكان أن يكون الإعلامي عالماً بنقاط قوته محيطاً بها، ومطلعاً على ما يعتري صفّه أو تيارهمن النواقص الطبيعية على صعيد التصرفات أو التصريحات أو المواقف السابقة، ليعرف كيف ينأى بنفسه عن أي سؤال موجه له من أطراف الموقف الإعلامي.
وبما أن ما يجري على الساحة الفلسطينية معلوم عالمياً، وفي الوقت الذي يكون فيه الموقف الإعلامي جامعاً لأكثر من طرف فلسطيني، فإن أدق التفاصيل عن هذا التيار أو ذاك ستكون مرشحة للعرض على طاولة النقاش، إن لم يكن من طرف الإعلامي مدير اللقاء، فمن الخصم الإعلامي الذي يسعى على الدوام لتأزيم موقف خصمه.
وبقدر ما تكون هذه الأسئلة محرجة بقدر ما يكون للإعلامي المسلم مساحة للتحرك الإعلامي بخصوصها إذا كان ذا قدرة حقه، ودبلوماسية واضحة، فإنه عندها أمام خيارات:
أ) أن يجيب عن السؤال بشكل يعرض صورته التي يريد عرضها.
ب) أن يصنف أي خلل في إطاره الطبيعي ويثبت تجاوزه.
ج) أن يقلب الحرج، وذلك بتوضيح موقفه، وبيان سبب الخلل وإقناع الجمهور بقبوله – لا سيما – إذا كان خطأ بشرياً قد يعتري الجميع، ويوجه هذا الحرج إلى الطرف المقابل في بيان تأصل الخلل فيه مثلاً، أو وجود سلسلة من الأخطاء المماثلة من الطرف الآخر.
ولعل أول ما يجب على الإعلامي المسلم فعله إزاء هذا النوع من الأسئلة المحرجة هو أن يقوم – وقبل الرد عليها بأي صيغة أو أسلوب – باستقبال هذا النوع من الأسئلة بشكل لائق، وبطريقة يلحظ الجمهور المتابع هضمه لها وعدم تأثيرها به، لينطلق بعدها فيجيب عمّا يريد.

 

تعليق عبر الفيس بوك