الأزمة الليبية.. من الصخيرات إلى باليرمو

فوزي عمار

 كاتب ليبي

 

اجتمعت الدول الكبرى على إسقاط نظام القذافي في ظل أحداث عرفت بالربيع العربي لتترك الليبين في العراء ولم تؤسس لمرحلة ما بعد سقوط النظام والتي أدت لسقوط الدولة نفسها بسبب هشاشة الدولة التي أسسها القذافي طيلة اثنين وأربعين سنة اهتم فيها القذافي بقوة السلطة ولم يهتم بقوة الدولة والفرق كبير بينهما.

ورغم اعتراف الرئيس الأمريكي بالخطأ إلا أنه لم يظهر حتى الآن أي مبادرة جدية لحل الأزمة الليبية التي شاركوا في صنعها في فبراير 2011.

التدخل الدولي لإسقاط القذافي كان بناء على حسابات الدول الكبرى فالدول ليست جمعيات خيرية، الدول تحركها مصالح وأطماع. لا انطلق هنا من نظرية المؤامرة رغم أني أعتقد أن أكبر مؤامرة هي ترك الشعوب العربية لوحدها فهي لا تعرف مصلحة نفسها وتحركها روح الغضب والانفعال بدلاً من المصلحة المشتركة. فلا مؤامرة بمعنى كراهية دول لشعوب بل الدول الكبرى ترسم مستقبلها وتُخطط له ولا تتركه للصدفة ولديها سيناريوهات للمستقبل في كل المجالات وأهمها في مجال الطاقة والكهرباء والماء والموارد.

وهي أشبه لحد ما بالحكومة مع شعبها فعندما تخطط الدولة لمشروع طريق سريع عام ويوجد بالمُخطط بيت صغير لفقير يجب إزالته حتى يتم مشروع الطريق فذلك لا يعني أنَّ الدولة تعمل ضد هذا الفقير ولكن وجود بيته في مخطط الطريق يعيق تتفيذ المشروع الكبير. هكذا الدول الكبرى مع الأنظمة والدول التي تقف عقبة في تنفيذ مخططاتها واستراتيجياتها ومصالحها الكبرى.

وما تعلنه الحكومات الغربية هو ما تريد أن تظهر به وليس بالضرورة كل الحقيقة. فأمريكا مثلا لا تقول أنا دولة مفلسة ولديها ترليونات من الديون الداخلية والخارجية بل تظهر في مظهر المُتزن القادر على امتصاص الصدمة مهما كبرت. ولا يهمها غير مصالحها مهما ادعوا عكس ذلك..إن تصريح المبعوث الأسبق لليبيا طارق متري كان شديد الوضوح حين قال: "إنهم قالوا لي إننا نريد أن نظهر بمظهر أننا نفعل شيئا ".. دائمًا ما تكون الحقيقة غير الواقع في السياسة.

فإسرائيل مثلاً واقعا وليست حقيقة لأن الحقيقة هي فلسطين.. فالدولة الإسرائيلية لا شرعية لها سوى أن الدول الكبرى نصبتها في أكبر عملية استلاب ونصب في التاريخ ( وعد بلفور) وبرعاية الأمم المتحدة التي نعتقد اليوم أنَّها من سوف تحل مشكلة ليبيا.. الواقع والحقيقة معًا يقول إن لا شيء اسمه الأمم المتحدة بل رغبة الدول الكبار هي التي تشكل سياسات ومشروعات الأمم المتحدة القابلة للتطبيق وغير التطبيق، غير ذلك يصبح سرابا تجري وراءه الشعوب المغلوبة مثل الفلسطنيين والعراقيين والصوماليين والليبيين.

وما يجعلنا نشك في نوايا الدول الكبرى هو إطالة أمد الأزمة ومحاولة إدارتها بدلاً من محاولة حلها.

لقد شاهدنا كيف أطال المجتمع الدولي المفاوضات التي لم تؤسس بشكل جيد بل كانت شكلية وهزلية وكان معظم من تم اختيارهم لا ثقل لهم على الأرض. كما أنها مارست قاعدة مهمة في التفاوض السياسي وحتى التجاري وهي إرهاق الخصم حتى يرضخ للمطلوب بسهولة ويُسر وهذا ما تفعله بالضبط مجموعة الدول الكبار مع ملف الأزمة الليبية. وهي أيضًا قريبة من نظرية الغموض البناء التي تدخل عامل الزمن في المعادلة واشتهر بها وزير الخارجية الأمريكي الأشهر كيسينجر.

وضع المواطن تحت وضع مأساوي لتبرير الحلول الموجعة. هذا نفسه ما فعلته مع النظام السابق حيث نشرت المخيمات في الجنوب التونسي ليرى العالم وحشية هذا النظام وهروب الآلاف من قمعه.

اليوم ما تقوم به جماعات لها علاقة قوية بدول كبرى من مشاكل السيولة والكهرباء والغاز هو نفسه يقع في إطار إرهاق الخصم ليرضخ لأي شروط. أما الشروط التي يعمل عليها هؤلاء فمنها المعلن وغير المعلن كأي سياسة في العالم.

لقد بدأ ماراثون إدارة الأزمة من زمن طويل من غدامس إلى الصخيرات إلى الجزائر وتونس وبرلين وجنيف والقاهرة وفينيا  وباريس ليصل إلى آخر محطة وليست الأخيرة وهي باليرمو في إيطاليا الشهر المقبل.. ومازالت أزمة اللاتوافق في بدايتها ولا نرى ضوءا في نهاية النفق ورغم سماعنا للجعجة فإننا لم نرى طحينا.. لتستمر دحرجة الأزمة وإدارتها بدلاً من حلها.

تعليق عبر الفيس بوك