النتائج الكارثية للقول بالنسخ في القرآن


د. عبدالحميد الأنصاري
 
النسخ إلغاء حكم شرعي سابق بحكم شرعي لاحق، لوجود تعارض بين آيتين. ولع الفقهاء القدامى بقضية الناسخ والمنسوخ، حتى قالوا: من لا يعرف الناسخ والمنسوخ ليس بفقيه، وهو ما يدرس في المناهج الشرعية.

ذهب جمهور الفقهاء إلى وقوع النسخ في القرآن الكريم، بل عد ذلك من الثوابت المجمع عليها، لا يجوز إنكاره، لذلك أنكروا على المفسر المعتزلي أبي مسلم الأصفهاني (ت 322) إنكاره النسخ في القرآن.

الآن: ما حقيقة النسخ؟ وهل هناك آيات منسوخة في القرآن؟!

لا نسخ في القرآن، فالقرآن عندنا، نحن المسلمين، هو كلمة الله تعالى النهائية للبشرية، ولا يتصور وجود تناقض بين آياته، وبخاصة أنه جل وعلا هو القائل "لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ"، و"لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ".

إذاً: ما الذي دفع القدامى وبعض المعاصرين المقلدين، إلى القول بالنسخ؟

أولاً: وجود تعارض بين آيات لم يستطيعوا التوفيق بينها إلا بالقول بالنسخ، ولكن التحقيق العلمي، وعلى مستوى الماجستير والدكتوراه في جامعات عريقة كالأزهر الشريف وغيرها، والكتب المؤلفة للباحثين المحققين في عصرنا، أثبت أن التعارض بين الآيات القرآنية، تعارض ظاهري أمكن التوفيق بينها.

ثانيا: أخطؤوا في تفسير كلمة "آية" في قوله تعالى "مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا"، فهموا أن المقصود الآية القرآنية، وهو غير صحيح، لأن القرآن لا يعبر عن النص القرآني بكلمة "آية" مفردة، بل "آيات" مجموعة، وأنت لو راجعت مفردة "آية" في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وهو ما لم يكن متاحاً للقدماء، لوجدت أن "آية" وردت في "82" موضعاً في كتاب الله تعالى، وكلها في معاني: الحجة والبرهان والمعجزة والدلائل والبراهين المصدقة للرسل. مثل "سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ". في المقابل: يعبر القرآن عن النص القرآني بـ"آيات" مثل "بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ"، ولذلك فإن تفسير "ما ننسخ من آية…"، الآية هنا ليست الآية القرآنية بل المعجزة والحجة، أي: ما ننسخ من معجزة أو حجة أو دلائل سابقة تبرهن عَلى صدق الرسل السابقين أو ننسها، نأت بحجج وبراهين جديدة خيراً منها أو مثلها.

ثالثاً: اعتمادهم على مرويات أحادية لبعض الصحابة، وهذه محمولة على أنها قراءات تفسيرية أو آراء لبعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ونحن غير ملزمين بها. ما خطورة القول بالنسخ القرآني وما آثارها؟ القول بالنسخ، جرأة على القرآن، أنتج 3 نتائج خطيرة شوهت صورة الإسلام، هي:

1- شرعنة العدوان: القرآن يؤثر السلام بين الناس، ولا يوجد سبب يدفع المسلمين للقتال إلا رد العدوان "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"، نسخوها بآية سموها آية السيف "وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً"، أي معتدين أو مسالمين، فنسخوا كل آيات السلام والتسامح والصلح والتعاون، وشرعنوا جهاد الطلب "الهجومي" مما فتح الباب لتنظيمات الإرهاب لتبرير عدوانهم باسم الجهاد، مع أنه لا تعارض بين الآيتين، فالآية الأولى في قتال المعتدين، والأخرى أيضا في قتال المشركين المعتدين.

2- شرعنة حبس المرأة: الناظر في كتاب الله تعالى يجد أن للمرأة حرية اجتماعية واسعة، داعية للخير، مشاركة في الشأن العام، صاحبة عقلية راجحة، قائدة، يقول المولى عز وجل "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ"، لكن دعاة النسخ، تأثرا بعادات وتقاليد سائدة في زمنهم، زعموا أن آية الحجاب، نسخت خروج المرأة من بيتها، مع أن الآية خاصة بأمهات المؤمنين.

3- شرعنة بغض الآخر (الكافر) بالرغم من أن نبينا عليه الصلاة والسلام، كان يحب عمه أبا طالب، وهو كافر، رجاء هدايته وقال القرآن: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ" وأباح الزواج من الكتابية، فيكون أخوها خالا للأولاد يحبهم ويحبونه، وبالرغم من أن القرآن فرق بين الكافر المسالم والمعادي، فأباح البر بالكافر المسالم، فقال "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ" ثم جاء زمن، زعموا فيه: علينا كراهية الآخر! لماذا؟ لأن الآية منسوخة بالآية التي حرمت موالاة الكفار، وهذا زعم لا سند له.

* كاتب قطري

 

تعليق عبر الفيس بوك