خواشيق الإعلام: الهيل والكيل

 

غسان الشهابي

في عالم السياسة، ما عليك إلا أن تشك في كل "ترند" على نشرات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي، حتى تعلم لماذا هذا الاهتمام ومن الذي يقف وراءه، وما غرضه أو أغراضه من هذا التركيز الشديد على قضية ما من بين جميع القضايا، ولماذا يقود الرأي العام العالمي؟ هذا – طبعًا – إذا كنت مهتماً بمعرفة هذه الأمور، أما إذا لم تكن كذلك فلا بأس أن تكون من المتفرجين وحسب.

لا أظن أنَّ أحداً من القراء الكرام سيخطئ المسألة التي سأتحدث عنها أو ستلتبس عليه، وهي تلك التي تخص الصحافي الراحل جمال خاشقجي. لأنَّه من منطلق "الكار" الواحد، فإنَّ أي منتمٍ للحقل الإعلامي سيرفض، وبشدة، أن يتعرض زملاء له، ربما لم يعرفهم أو يعرفوه لأي أذى، إن بصفته العملية، أو بصفته الشخصية. ومن المنطلق الإنساني الشامل، فإنَّ مقتل أي شخص، لأي سبب كان، أمر يُثير الحنق والتقزز والغضب، والمطالبة بالقصاص ممن قام بهذا الجرم، حتى وإن صارت أخبار الموت تصلنا أرقامها أكثر من تغير الأسعار والأسهم، مع انخفاض عالمي ملحوظ بالتعاطف مع الأخبار المتواترة من مناطق النزاع في الأساس، فلا تعود الأخبار التي تحمل أرقاماً صغيرة تقل عن العشرين والأربعين قتيلاً تثير شهوة وكالات الأنباء.

إلا أنَّ اغتيال الراحل خاشقجي قد صارت القضية الأولى عربياً.. وذات أهمية كبرى عالمياً، فلا تفتح مواقع التواصل الاجتماعي حتى تجد النَّاس في نزاع بين متهِم ومبرّئ، وشامت وساخط، ومهاجم ومدافع، وهذا أمر طبيعي، فلا القتل مقبول أو مُبرر أو يُمكن مروره سلاما، ولكننا أمام أزمة إنسانية لم تحدث من قبل في اليمن بسبب الحرب بتعرض 13 مليون يمني لم يلتفت إليهم أحدٌ باهتمام موازٍ، ويتساءل فلسطينيو سوريا عن مصير 557 قضوا في تلك السجون، ولا نجد صدى مناسباً عربياً ودولياً و"سوشلياً" لحوالي 207 شهداء من غزة يتساقطون تباعاً منذ "يوم الأرض" في 30 مسيرة تقام كل جمعة إلى جانب 22 ألف جريح، ناهيكم عن الضحايا المُباشرين لحرب اليمن، وما يحدث في سوريا على الجبهات الساخنة والدافئة، مما لم يعد يعني أحداً في العالم إلا المتضررين والمستفيدين مباشرة، ثم لنتساءل: من يدير هذه الضجة هنا وذاك الصمت هناك؟ ولماذا؟

رحم الله جمال خاشقجي وانتقم من قاتليه، ومن جميع القتلة أينما كانوا.

تعليق عبر الفيس بوك