عبد الله العليان
قبل عدة أيام ذهبت إلى مكتب الطيران العماني بصلالة، وطلبت الحجز قبل أحد عشر يومًا، من يوم السفر للعاصمة مسقط، لكون التحديد المسبق للحجز، تقل معه الأسعارـ كما نسمع ـ وأنه قبل أيام قليلة من السفر يرتفع السعر، وهذا معروف في الرحلات الدولية، وهذا تم تطبيقه في الرحلات الداخلية، قبل سنوات، فسألت موظفة الطيران العُماني، عن السعر فقالت: 79 ريالا عمانيا وعدة مئات بما يقترب من 80 ريالاً، فلم أصدق هذه القيمة السعرية لرحلة داخلية، وقبل أحد عشر يوماً من السفر، مع أن الموسم السياحي لم يعُد قائماً لكون الازدحام في الرحلات تحدث معه الزيادة أحياناً، فكررت السؤال مرة أخرى: لماذا هذا الارتفاع في السعر في هذا التوقيت؟ وما هي أسبابه؟ لأننا أعتدنا أن الأسعار الداخلية منذ عدة أشهر، لا تتعدى 64 ريالا، والموسم السياحي الماضي، كان هذا السعر هو المعروف؟ فكان ردها واضحاً ومقتضباً ومفاجئاً لي فقالت: إذا حجزت لمدة يوم واحد، دون المكوث عدة أيام بمسقط، فهذا هو السعر المُحدد طبعاً، أما إذا بقيت لعدة أيام بمسقط سوف يقل السعر!!
والحقيقة أنني صدمت من هكذا قرارات، وأسعار تتقلب بين الوقت والآخر، دون أن تراعي أنها رحلات داخلية، وأنَّ الرحلات الداخلية لها نظهما وقوانينها، في كل دول العالم، ونحن ما نزال في هذه المُحافظة نعاني ونعيش محنة ارتفاعات سعر هذا الطيران وتقلباته، دون مراعاة أحوال المواطن التي (تقدر بقدرها)، وظروفهم للعمل، والدراسة، والعلاج، وغيرها من الاحتياجات من وإلى العاصمة، وكل ما يتم تخفيض السعر في فترة من الفترات، نسمع بعد أشهر قليلة، أنَّ الأسعار ارتفعت مرة أخرى؟، بل وتعود زيادة عن الأسعار السابقة، وهذا يذكرني بالمثل العربي العماني المعروف (أصبر على مجنونك عن يجيك أجن عنه)، وكلما كتبنا وكتب غيرنا عن هذه المُغالاة في الأسعار وطالبنا بالتخفيض، ومناقشتها في الكثير من وسائل الإعلام يصر الطيران على الزيادة! ولا نجد التجاوب المعقول وإن وجدنا لفترة محدودة تعود مرة أخرى بزيادة، فهو يعرف أنها رحلات داخلية، وبعد المسافة ـ أكثر من ألف كيلو ـ بين مسقط وصلالة، سيجعل من الطيران العماني فارضا نفسه في هذه الرحلات على المسافر، ويستطيع أن يرغم المسافر على الرضوخ، لأنّه غير متاح لشركات الطيران الدولية أن تسّير رحلات داخلية، وهذا هو الذي جعل الطيران العماني، يتخذ ما يراه من أسعار ولوائح ونُظم، حتى في الشهر الواحد ممكن أن يحدد الذي لا يخطر على بال!
ومنها أنني سمعت من هذه الموظفة العمانية في تلك الليلة المؤرخة بليلة الأسعار المفاجئة،.. أن المسافر لو مكث لعدة أيام بالعاصمة مسقط، وتم التخفيض له، فإنه إذا تأخر عن الرحلة، التي حددت له في التذكرة، فإن التذكرة تلغى تماماً، ويفقد قيمتها وتخيلوا لو هذا رجل ظروفه صعبة وعنده أسرة كبيرة ماذا يفعل إن فقد كل المبالغ في رحلة مع الأسرة ؟!! وهذا الأمر لم يكن موجوداً قبل أكثر من عام، حيث إن المسافر لو تأخر لظرف ما يتم دفع ما يقارب عشرين ريالا عمانيا تقريباً، وهذا يمكن قبوله، خصوصاً عندما تكون هناك عائلة تأخرت عن السفر لأسباب صحية، أو غيرها من الأسباب، لكن المشكلة الأكبر والأصعب أن تلغى تذاكرهم جملة بسبب هذا النظام الجديد للطيران العماني؟! والإشكالية المُحّيرة أننا نسمع عن خسائر للطيران العماني سنوياً، ومع ذلك تفتح خطوط جديدة لدول كثيرة هذا العام، والأعوام السابقة، وهذا شيء لافت أن يتم الحديث عن الخسائر التي تُقدر بالملايين، ومع ذلك تستمر زيادة الرحلات، وليس التقليل من بعضها، آو وقف استحداث غيرها جديدة، وهذا بلا شك يكلّف الدولة كثيراً، ولا نعرف ما هي أسباب ذلك؟ لكن الذي يهمنا أنَّ أسعار الرحلات الداخلية بين مسقط وصلالة، التي كلما ضاق الناس بها الأسعار وزاد ارتفاع الأصوات، تزيد ولا تنقص، لكن بعد أن يتم التخفيض لمدة، تعود الأسعار أكثر من سابقتها!
والغريب أنَّ كل المؤشرات تدل على نجاح الرحلات الداخلية بين مسقط وصلالة، والعكس في الرحلات الدولية بسبب المنافسة، وهي أنها الأكثر خسارة الطيران حسب التوقعات، وإن ما قاله معالي الدكتور وزير النقل والاتصالات، في بداية هذا العام بمجلس الشورى، حيث تحدث صراحة عن هذه الخسائر التي قدرت بمئات الملايين وتحدث أيضاً عن السمعة الجيدة له، وقد كتبت تعليقاً على بيان معاليه عن سمعة الطيران العُماني الجيدة، وقلت: إن هذه السمعة على النجاح لا تدل على الخسائر، بل العكس تعطي مؤشراً للنجاح، "لكن الأمر في الواقع، كان مختلفاً تماما مع هذه الخسائر الكبيرة، فلماذا يتم توسيع الرحلات الدولية، إذا كانت هذه الخسائر تحدث بمئات الملايين؟ وأين هي الجدوى الاقتصادية من هذا التوسع الذي نسمعه إلى وقت قريب؟ إن كانت هناك جدوى تتم لهذه الرحلات الدولية، لأن هناك منافسة كبيرة، كما أشرت آنفاً في الرحلات الدولية، وهذا هو بلا شك مدعاة لمراجعة جدية، من مجلس الإدارة لتفادي خسائر أخرى".
ويهمنا كعمانيين أن يتوسع هذا الطيران، وأن يواصل نجاحاته عالمياً، لكن ليس أن يخسر بمئات الملايين من الرحلات الدولية؟ وفي نفس الوقت يركز الطيران العماني على زيادة الأسعار في الرحلات الداخلية؟! وهذا يتم في الوقت الذي أصبحت الشركة العمانية للطيران، تملكها الدولة بما يقارب 100%، وهذا يتطلب أن تراعي الدولة الأسعار، وأن يكون هناك نجاح وفائدة مقبولة من هذه الرحلات، والأسعار التي خفضّت كانت معقولة في العامين الماضيين وسعرها مرتفع بالقياس مع الرحلات الداخلية المعروفة عالمياً، ولكن ليس ذلك أن تكون هناك خسائر في الرحلات الدولية، وتتم الزيادة في الرحلات الداخلية؟
رسالة لمعالي رئيس مجلس الإدارة والأعضاء.