التنافسية.. مُقدمات ونتائج

حاتم الطائي

يُترجم التَّحسن الكبير الذي شهده ترتيب السلطنة في مُؤشرات التنافسية العالمية، ما بذلته مؤسسات الدولة من جهود مُضنية على مدى سنوات مضت، سعت خلالها إلى تحسين جودة الخدمات وتطوير المنظومة الاقتصادية وتحديث أطر العمل في العديد من القطاعات.

فالأربعة عشر مركزا التي قفزتها السلطنة في عام واحد فقط، تمثل أعلى نسبة عالمية تحققت في هذا المُؤشر العالمي، علاوة على أنَّ السلطنة دخلت دائرة العشرة الأوائل عالميًا في عدد من المُؤشرات. وبقراءة عميقة لما حققته السلطنة من تقدم في هذه المؤشرات، يتَّضح أنَّ هذه الجهود انعكاس لرؤية شاملة للإصلاح الاقتصادي، وليس فقط عملية تحسين مرحلية. فنهج الخُطط الخمسية وضع الأسس المتينة لإجراء تطوير جذري ومُتدرج، يضمن الوصول إلى الأهداف عبر تنقلات مرحلية تُحقق الغايات، بعيدًا عن "بروباجندا" القفزات، فعُمان دأبت على السير بخطى وئيدة نحو ما تصبو إليه.

وعملية التطوير المُتدرجة التي نتحدَّث عنها، رسمت مساراتها وصاغت تفاصيلها الرؤية الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- وشارك فيها المخلصون من أبناء هذا الوطن، ممن يخدمونه في شتى مواقع العمل؛ بل إنَّ القطاع الخاص والمُواطن نفسه، قد ساهما بنسب مُختلفة في هذه المسيرة.. فالقطاع الخاص كان الشريك الأصيل للحكومة في تنفيذ المشروعات، وإن كنَّا نأمل منه المزيد في هذا الجانب، وعملت شركات القطاع الخاص على تنفيذ الخُطط الحكومية في مختلف مشروعات التنمية. أما إسهامات المواطن في هذا الجانب، فتتمثل في تحمله لأيِّ أعباء نجمت خلال مسيرة النماء، لاسيما في سنوات ما بعد تراجع أسعار النَّفط، وإيمانه بأنَّ إجراءات الترشيد الحكومية ليست سوى تحرك لضمان استدامة الموارد المالية، والتي سيتم تقليصها مع انفراج الأزمة الاقتصادية، وهو ما تحقق فعليًا على أرض الواقع، من خلال التوجيهات السامية بترقية موظفي الدولة (دفعة 2010)، واستئناف العمل على إنجاز مشروعات وطنية ضخمة، وغيرها من الإجراءات التي بدأت وتلك التي من المتوقع أن تخرج إلى العَلن خلال الفترة المُقبلة، لاسيما وأنَّه يجري الآن الإعداد النِّهائي للميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2019، والطموحات المُتعلقة بزيادة الإنفاق ودعم انتعاش الاقتصاد.

التَّقدم الذي أحرزته السلطنة في مؤشرات التنافسية، يُمثل صدى الخطط الطموحة الخاصة بتعزيز التنويع الاقتصادي؛ إذ إنَّ القطاعات الواعدة المُستهدفة حققت نتائج مشهودة، فيما يتعلق بنسب تنفيذ المشروعات أو جهود تعظيم العائدات.

وعندما نُسلط الضوء على نتائج تقرير التنافسية العالمي، يُمكننا أن نبرز جانبين بالغي الأهمية في هذا السياق؛ الأوَّل يتمثل في استمرار جهود التنمية رغم العديد من التَّحديات، فيما يتلخص الجانب الثاني في سياسات السلطنة لدعم الاستقرار والسلام، والحفاظ على ما تنعم به البلاد من استقرار سياسي وأمني، رغم الاضطرابات والتحديات الجيوسياسية من حولنا وفي العالم أجمع.

انعكاسات جهود التنمية على تعزيز تنافسية السلطنة تتضح من خلال التقدم الذي حققته السلطنة في مُؤشر جودة الطرق؛ حيث تبوأت المركز الثامن عالمياً والأول عربياً. ولا شك أنَّ حصول السلطنة على المركز الأول عربياً في جودة الطرق، نابع من حرص الجهات المعنية على توفير أعلى معايير السلامة على الطريق، وضمان تحقيق الربط بين مُختلف الولايات والمُدن في أنحاء السلطنة، الأمر الذي يدعم الكثير من التوجهات الحكومية، وبخاصة تلك الرامية إلى إحداث تقدم في مستوى الخدمات اللوجستية.

التقدم الملحوظ في محور البنية الأساسية، جاء بفضل ما تمَّ إحرازه من نجاحات في عددٍ من المؤشرات؛ في المُقدمة منها مؤشر اتصال الطرق ومؤشر الربط لخطوط الشحن البحري ومؤشر كفاءة خدمات الموانئ، وهذا الأخير تبوأت السلطنة فيه مركزاً بين أوَّل عشرين دولة على مستوى العالم، وهو إنجاز غير مسبوق تتويجًا للجهود التي بذلتها الحكومة الرشيدة في سبيل الاهتمام بقطاع النقل واللوجستيات، وهو أحد القطاعات الواعدة التي من المُؤمل أن تُسهم بقوة في تعزيز التنويع الاقتصادي.

وهنا لنا وقفة ذات أهمية كبيرة؛ حيث إنَّ الإستراتيجية اللوجستية للسلطنة تستهدف أن تكون عُمان من بين أفضل 30 دولة على مستوى العالم في المجال اللوجستي بحلول 2020، أي في غضون عام وشهرين من الآن، وضمن أفضل 10 دول بحلول 2040. وهذا التَّقدم- الذي أشرنا إليه آنفًا- يُمثل عاملا رئيسيًا في دعم خُططنا المُستقبلية؛ إذ سيكون لمثل هذه المؤشرات عامل الحسم، بجانب معايير أخرى منها التطور الهائل في منظومة المطارات، وكذلك تحديث الخدمات المُقدمة في الموانئ وما يُصاحبها من تسهيلات جُمركية وتيسير في الإجراءات، وغيرها من الخطوات التي تدعم ما تطمح إليه بلادنا، هذا فضلاً عن الموقع الإستراتيجي لموانئنا، وفي المُقدمة ميناءا صحار والدقم بما يضمانه من خدمات لوجستية مُتقدمة.

ومن بين أبرز المُؤشرات التي حصلت السلطنة فيها على مراتب مُتقدمة عالميًا، مؤشر التوجه المُستقبلي للحكومة، وهنا يُمكننا أن نسلط الضوء على خُطط الحكومة المُستقبلية، لاسيما جهود إعداد رؤية عُمان 2040، وهي الرؤية الإستراتيجية طويلة الأمد التي تعمل على صياغتها المؤسسات المعنية، وكذلك المُجتمع بمختلف فئاته، علاوة على إسهامات القطاعات الاقتصادية وما تطرحه من مُقترحات تدعم آليات صياغة هذه الرؤية وخروجها للعَلن، مع اقتراب الانتهاء من رؤية 2020 التي وضعت قبل سنوات من الآن.

انعكاسات التنمية التي أنجزتها السلطنة منذ فجر النهضة المُباركة، تجلت أيضًا في محور التعليم والمهارات؛ حيث احتلت السلطنة المرتبة الثانية عربياً في مؤشر جودة التدريب المهني، والمرتبة الرابعة عشرة عالمياً في مؤشري التفكير النقدي في التدريس، وعدد الطلاب لكل مُعلم في التعليم الابتدائي. وبالنظر إلى هذه المُؤشرات، فإنّها تندرج كلها تحت تنمية قطاع التعليم وبرامج التأهيل والتدريب، والتي تُوليها الحكومة أهمية خاصة، وهذا منطلقه الإيمان بأنَّ الإنسان العماني هو محور التنمية وغايتها، وأنَّ تنمية لا تستهدف الإنسان، تنمية غير مُكتملة. لذا حرصت الحكومة على التوسع في بناء المدارس وتوفير المُعلمين وتأهيلهم وإعدادهم وفق معايير عالمية، فضلاً عن خطط التدريب والتطوير المستمرة.

والجهود الحكومية التي يتم تنفيذها منذ سنوات فيما يتعلق بتسهيل التمويل وسرعة بدء الأعمال التجارية، لاسيما الخدمات المُقدمة عبر "استثمر بسهولة"، وخدمات صندوق الرفد والهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة "ريادة"، كلها دعمت حصول السلطنة على المركز الأول خليجياً وعربياً في مؤشر الوقت اللازم لبدء عمل تجاري، والمركز الثاني عربيًا في مؤشر تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة والمركز التاسع عشر على مستوى العالم في مؤشر توفر رأس المال المُغامر.

ومن ناحية ثانية، يُبرز تقرير التنافسية العالمية جانبًا آخر من الجوانب المُشرقة في مسيرة نهضتنا، وهي نعمة الأمن والاستقرار، بفضل السياسات الحكيمة لجلالة السلطان المُفدى، والنهج الراسخ بعدم التَّدخل في الشؤون الداخلية للدول وسياسة الحياد الإيجابي ودعم الجهود الإنسانية في أيِّ مكان بالعالم. لذا حصدت السلطنة المركز الأول على مستوى العالم في مؤشر وقوع الإرهاب، ما يعني خلو السلطنة من أية هجمات إرهابية، وانعكس ذلك بدوره على نتيجة السلطنة في مُؤشر تكلفة الجريمة المُنظمة على الأعمال التجارية، فاحتلت المرتبة الرابعة عالمياً والأولى عربياً.

الأكثر قراءة