المشاركة في انتخابات البحرين..مصلحة جماعية

 

عبيدلي العبيدلي

تقترب ساعة صفر المارثون الانتخابي النيابي في البحرين، ومع اقترابها يزداد صخب الحوارات المرافقة لها، وترتفع أصوات النقاشات بشأن الموقف المطلوب من المواطن منها. ويمكن تقسيم تلك الحوارات، وفقا لموقفها من خارطة مكونات العمل السياسي إلى أربع فئات رئيسة هي:

الأولى منها تلك التي يسيطر على تفكيرها، ومن ثم ينعكس على سلوكها، موقف اللامبالاة، ومن ثمّ فهي تتصرف وكأنّ "الانتخابات النيابية شأن لا يعنيها البتة، وبالتالي فهي لا تتردد عن اللجوء إلى السخرية من الناخبين، والتندر على المترشحين، كي تبرر الموقف اللامبالي الذي تتبناه، علما بأن موقفها هذا غير محكوم بخلفية علمية، ولا نتائج منطقية.

الثانية هي المنادية بمقاطعة الانتخابات، والعزوف عن المشاركة في إجراءتها، وهذه هي التي تحاول أن تشيع روح اليأس، ونجدها، كي تعزز الترويج لفكرة المقاطعة، ترسم صورة قاتمة تفرضها على لوحة الواقع السياسي البحريني القائم، ثم تنهي قراءتها السوداوية له، بأنّ المقاطعة هي أقوى السبل الكفيلة بالقبول بشروطها التي "تؤمن"، إنها بوعي أو بدون وعي منها، الوحيدة القادرة على تشكيل البرلمان "المثالي" الذي ترسم هي معالمه، ضاربة عرض الحائط بكل الصيغ الأخرى الخارجة عن نطاق إطار تلك اللوحة.

الثالثة هي المؤمنة بأنّ البرلمان هو أهم المؤسسات السياسية التي جاء بها المشروع الإصلاحي، ومن ثم فهو أكفأ القنوات المتاحة القادرة على تقنين الصراعات داخل المجتمع البحريني، وبالتالي فليس هناك ما يبرر الابتعاد عن المشاركة في آليات تشكيله من خلال المشاركة في انتخاباته الدورية، بغض النظر عن مساحة الشفافية التي ترافقها، وحيز الهامش المتاح للتعبير عن الرأي فيه. وعليه فالبرلمان، بالنسبة لهذه الفئة مكسب، والمحافظة عليه تحول إلى هدف في حد ذاته.

أمّا الفئة الرابعة، فهي تلك التي يمكن وصفها بالمتطرفة، وهي فئة ذات ألوان متعددة تضم العناصر الأكثر تطرفا من الفئات الثلاث المشار لها أعلاه. والقاسم المشترك بين أقسامها الثلاثة المتصارعة، كون كل منها، وفق المنهج الذي يتبناه غير قابل للاستماع لطروحات الفئات الأخرى، بل ويذهب في التطرف عند الدخول في أي شكل من أشكال الحوار مع من لا يتفق معه في الرأي. وبالتالي فهو، وتحت أوهام سياسية مختلفة، بل وربما تكون متضاربة، يمكن أن يصب، بوعي أو بدون وعي، جهوده في الترويج لموقفه، في أتون فئة يختلف معها في الرأي.

وقبل مناقشة الضرورة التي تدعو الجميع للمشاركة، لا بد من تثبيت حقيقة راسخة وساطعة كسطوع الشمس، ولا يمكن تغييبها، وهي أنّ البرلمان كسلطة، وأكثر من ذلك كمؤسسة، باق بغض النظر عن نجاح أو فشل دعوات أي من الفئات الأربع المشار لها أعلاه. فهناك واقع موضوعي ولده المشروع الإصلاحي خلال مسيرته التي  تقترب من عقدين من الزمان، يقتضي استمرار البرلمان كمؤسسة، وكعضو حي في مكونات جسد العمل السياسي البحريني، بغض النظر عن تقويمنا له، أو المسافة التي تفصلنا عنه.

في ضوء ذلك، لو شرعنا في إسقاط مواقف هذه الفئات على مكونات العمل السياسي البحريني فسوف نكتشف، انها جميعا، باستثناء تلك الفئة التي تؤمن بضرورة المشاركة وجدواها، أنّ مصالحها الموضوعية، البعيدة عن انغلاقها الذاتي، تتقاطع عند نقطة إنجاح العملية الانتخابية، وتشكيل البرلمان البحريني الأكثر قربا من هموم المواطن، والأكثر قدرة على الدفاع عن مصالحه. ويمكن إثبات ذلك من خلال الطروحات التالية:

بالنسبة لتلك الفئة اللامبالية، ستجد نفسها أمام علامة استفهام كبيرة فيما لو نجحت دعوة اللامبالاة التي لا تكف عن الترويج لها: ما هي المحصلة النهائية لتفشي وباء اللامبالاة المسيطر عليها؟ تتوزع الإجابة عليها على احتمالين لا ثالث لهما: إمّا نجاح مرشحين هامشيين، هم الآخرين غير مبالين، ومن ثم سيكون أداء البرلمان فاشلا ومحبطا في آن، وإمّا أن تؤدي تلك اللا مبالاة إلى تفشي نزعة المقاطعة، وهذه الأخرى ستقود إلى برلمان أكثر فشلا من الأول. وعليه فليس من مصلحة هذه الفئة الاستمرار في سلوكها اللامبالي، ومن الأفضل لها، وللبحرين، أن ننتقل من مقاعدها إلى مقاعد الداعين للمشاركة، على أن تكون مشاركة واعية ومسؤولة.

أما فيما يتعلق بالفئة الداعية للمقاطعة، والتي لا تتوقف عن الترويج لجدوى المقاطعة من جانب، وفعالية العمل من خارج البرلمان مقارنة بالعمل من داخله، وأنّ المقاطعة وتدني نسبة المشاركة قادرة على تجريد المشروع الإصلاحي من البريق الذي كسبه خلال السنوات الماضية. والرد الحاسم على هذا المنطق يتوزع على شقين: الأول منهما أن دعوات المقاطعة اليوم لن تكون أكثر تأثيرا من تلك التي تمت المناداة لها في انتخابات 2014، ورغم ذلك، تشكل البرلمان، بالنسبة التي حازت عليها نسبة الانتخابات، وبالتالي فمن غير المتوقع أن تكون النسبة عاملا في أفشال العملية الانتخابية، أو إقناع المسؤولين بالتراجع للخلف عن العملية الانتخابية. المسألة الثانية، وهي الأهم، من يجرؤ على مطالبة الجهة السياسية التي وصل نوابها إلى قبة البرلمان من الكف عن الاستمرار في العمل بأشكال وقنوات النضال الأخرى، من خارج أطر البرلمان ومؤسساته، والتي يفترض أن تكون عاملا مساعدا للنائب المعني، ورافعة تاريخية لأدائه، طالما قام بذلك ضمن دستور البلاد، ولم يتجاوز القوانين والأنظمة التي ولدها ذلك الدستور.

من هنا، ومنطق العمل السياسي المجدي، نرى أنّ مصلحة الجميع التوجه نحو صناديق الاقتراع، والذهاب إلى مراكز الاقتراع يعطينا فرصة الإدلاء بأصواتنا، وهو حق مكتسب، ولا يجبرنا على التصويت لهذا المرشح دون ذاك.

وساذج من يفرط بقرار ذاتي، وبمحض إرادته، في مكسب ناضل فيه شعب البحرين منذ العشرينيات من القرن الماضي. ومن غير المنطقي أيضًا أن نتراجع عن مطالب رفعها شعبنا منذ ما يقارب من قرن من الزمان.