التماسك الأسري (2)


سعيد المحرزي - كاتب تربوي


تحدثت في المقال السابق حول بعض العوامل التي تزيد من تماسك الأسرة مثل العامل الروحي والعامل الاجتماعي والعامل التعليمي، ونتحدث في هذا المقال عن عوامل لا تقل أهمية عن العوامل السابقة في تأثيرها الإيجابي على تماسك الأسرة.
وأبدأ بالعامل الاقتصادي لما له من تأثير قوي جدا، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن 70% من الأسر أفادت بأن الصعوبات المادية و المتمثلة في غلاء المعيشة تؤثر بشكل فعال في استقرار الاسرة، كذلك يؤثر وجود ثقافة اقتصادية سلبية لدى الأجيال الحالية حيث أنها لا تفكر إلا في الحاضر وبالتالي يكون تركيزها على توفير الحاجيات الآنية بدون التفكير في المستقبل، ناهيك عن طغيان التفكير المادي لدى الشباب الذي يؤدي إلى التركيز على الماديات والتي تكون عادة تكون كماليات وليست أساسيات؛ وهذا يسبب عبء على الوالدين في توفير هذه الماديات فيؤدي ذلك الى حدوث المشاكل ولجوء الأبناء إلى مصادر بديلة سلبية لتوفير مستلزماتهم المادية.
توجد بعض الأفكار العملية في الجانب الاقتصادي تعزز من تماسك الاسرة مثل: تبني ثقافة الادخار بأي شكل من الاشكال وخاصة للمشاريع الرئيسة في الأسرة مثل صناديق ادخار للرحلات والأعياد وكفالة يتيم ولأعمال الخير بشكل عام، ويعتبر إيجاد خطة عملية حول ميزانية البيت متفق عليها من جميع أفراد البيت من الأمور الضامنة لحدوث توافق أسري مستمر، ولا ننسى أهمية الحوار الأسري المستمر حول فقه الأولويات والموازنات حول الجوانب المختلفة داخل الأسرة لأنه يعزز الشراكة والمسؤولية بين جميع أفراد أسرة ويعتبر أيضا تربية غير مباشرة للأبناء لتنمية المهارات الاقتصادية لديهم.
ثانيا: النضج العاطفي للزوجين عامل مهم يؤدي إلى زيادة التماسك الأسري، فالأسرة التي تسود فيها قيم المودة والحب والاحترام والثقة تكون أسرة مستقرة، لذا ينبغي على الزوجين تثقيف أنفسهما حول الجوانب العاطفية لهما ولأبنائهما، فالمعرفة مطلب مهم للتطبيق العملي، وتشمل عملية التثقيف هنا قراءة الكتب المتخصصة في تنمية الجانب العاطفي العائلي وحضور دورات تنمي مهارات الزوجين والأبناء في إدارة عواطفهم بشكل إيجابي وفعال، وأركز هنا على أهمية التعبير الكلامي للمودة والمحبة داخل الأسرة وذلك لضعف هذا الأمر داخل الأسر في مجتمعاتنا بسبب طبيعة الأسرة العربية بشكل عام، ونؤكد هنا أن غياب التعبير عن الحب والمودة داخل الأسرة يؤدي إلى بحث أفراد الأسرة عن ذلك في خارج إطار الأسرة مما يفضي إلى حدوث المشاكل الأسرية.
ثالثا: إن اهتمام الزوجين بصحتهما وبصحة أبنائهما النفسية والجسدية يزيد من تماسك الأسرة لأنه يظهر اهتمام أفراد الأسرة ببعضها البعض، ويمكن التعبير عن الاهتمام الصحي العائلي بالسؤال المستمر عن صحة أفراد الأسرة والحوارات العائلية حول الممارسات الصحية والأغذية المناسبة لكل مرحلة عمرية، وأيضا المبادرة إلى العلاج في حالة وجود مشكلة صحية لدى أي فرد من أفراد الأسرة مع التأكيد على ضرورة تكامل الأدوار بين أفراد الأسرة عند مرض أحد أفرادها، فهذا التكامل دليل على تماسك الأسرة.
رابعا: يعتبر الاهتمام بالجانب الترفيهي داخل الأسرة داعم فعال للعلاقات الأسرية، وتعتبر الرحلات العائلية أهم نشاطات الجانب الترفيهي في العائلة، وينبغي أن تتنوع الرحلات العائلية في الأماكن والأوقات حتى تضفي نوعا من البهجة للنفس، وأيضا ينبغي أن تكون هناك رحلات خاصة بالزوجين فقط دون الأبناء حيث أنها تكون بمثابة استراحة وتجديد للعلاقة الزوجية، وإذا كان لدى العائلة أبناء ذكور فينبغي أن تكون لهم رحلات خاصة بهم وكذلك للبنات، فهذا التنوع في الرحلات يسمح لأفراد العائلة الاستمتاع بهذه الرحلات والتفاعل معها بما يتناسب مع أفكارهم وميولهم وشخصياتهم.
تعتبر الألعاب العائلية من الأنشط المهمة في الجانب الترفيهي، وتنبغي أن تشمل هذه الألعاب كل أفراد العائلة، فهناك ألعاب عائلية للزوج مع زوجته، وخير مثال على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يسابق السيدة عائشة رضي الله عنها، وهناك ألعاب للأب أو الأم مع أبنائهما، إن مشاركة الأب والأم ولعبهما مع أطفالهما يضفي نوعا من البهجة والسعادة في العائلة.
إن الجوانب التي تحدثنا عنها تعمل جميعها على زيادة التواصل بين أفراد الأسرة، وهذا التواصل الإيجابي يسهل على الأفراد تحقيق أهدافهم ويمكنهم من التغلب على أي عوائق أو مشكلات قد تعتري مسيرة حياتهم، وبالتالي تسعد هذه الأسرة في الدنيا والآخرة.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك