الشرق في القرن السادس عشر.. حياة بائسة وشفرة سحرية:

18رحالة يرصدون طرق التفكير الخاص بالإنسانيات في عصر النهضة

القاهرة - حسين أحمد


لولا أن نصوص الرحالة الفرنسيين، تتحدث عن بلاد الشرق كلها، وليس عن مصر فقط، لاستطعنا أن نقول إنها مقدمة طبيعية لكتاب" وصف مصر"، وإن كان الأخير جاء بعد تلك النصوص بحوالي قرنين من الزمان، خصوصا وأن أحد الرحالة الفرنسيين، كان يكتب ويرسم أزياء كل بلد مر به في رحلته.
في470 صفحة من القطع المتوسط، تشد الرحال مع 18 رحالة إلى الشرق، بواسطة الكتاب الصادر حديثا عن المركز القومي للترجمة " الشرق في القرن السادس عشر.. من خلال نصوص الرحالة الفرنسيين (نظرات في المجتمع الإسلامي)" للباحثة الفرنسية إيفليز بيرنار، المتخصصة في نصوص الرحلات، والكتاب ترجمة الدكتور حماده إبراهيم وتحرير الدكتور محمد عيسى.
صدرت بيرنار الكتاب بقولها:" كانت معرفتنا للعالم الإسلامي في القرن السادس عشر محدودة للغاية، كنا نعرف أن العرب والشرقيين والمغاربة والأتراك كلهم مسلمون فقط، لم نكن ندرك أي فارق بينهم، لذلك شعرنا بالرغبة في أن نتحقق بدقة أكثر، مما شاهده أو لم يشاهده الرحالة الفرنسيون، فاستفدنا من نصوص 18 رحالة فرنسي"، وتضيف:" حينما قمنا بتحليل الدين الإسلامي ومجتمع البلاط شعرنا بالأسف لجهلنا الكامل باللغة التركية ولعدم إجادتنا للغة العربية".
وفي سردها لسيرة كل رحالة تتحدث " بيرنار" عن ما يجمع بين الرحالة قائلة إنهم كانوا شبابا، وأن فرنسوا الأول، ملك فرنسا، عيّن معظمهم في وظائف مهمة في بلاد الشرق سفراء أو مرافقي سفراء أو مفوضين، ما عدا رائد علم التشريح المقارن بيير بيلون دو مان، والمحامي فيليب دوفسن كاناي، والسيد دو فيلامون، وأشهر هؤلاءالرحالة جويوم بوستي، الذي انقلب على الملك، فأعلنت محاكم التفتيش إنه مجنون، كما أن الرحالة الـ18 كان منهم 6 رجال دين.
وتتحدث بيرنار عن أول الأماكن التي يضع فيها الرحالة رحالهم، فتقول:" يصف الرحالة النُزل والمبرات، والأولى أفضل حالا من الثانية، وكل الرحالة يشرحون لقرائهم أنه لا توجد فنادق في بلاد الترك ولا أماكن أخرى للسكنى ولذلك كان الرحالة ينامون في مبان عامة تدعى"كاراباشارا"  أو" كاراباسارا" ويقول أحد الرحالة ليس هناك شيء سوى الحظيرة لأن الرحالة والخيول يعيشون فيها معا، ويقول آخر إن الكاراباسارا التي يزيد طولها عن عرضها لها فناء في الوسط توضع فيه البضائع والعربات والجمال ويحيط بها حائط يصل ارتفاعه إلى ثلاثة أقدام أو أربعة ويتصل به حائط مسطح من أعلى لكي يستطيع المرء أن يحتمي به ويصنع الطعام ويرتاح ويأكل ويشرب كل ذلك بمرأى من الجميع بحيث إن هذا المكان لا يختلف عن أي غرفة".
وتنتقل الباحثة للحديث عن المظهر الخارجي للمجتمعات الشرقية، فتقول:" إن الرحالة لم يتفقوا على الملامح الأساسية للناس في الشرق، فالعرب عند( بيلون) قصار القامه ضامرون، وعند( فيلامون) طوال القامة، وعند( باليرن) يتصفون بالنحافة والصلابة والقوة، أما الأطفال فإنهم عراة حتى سن العاشرة أو الثانية عشرة، ورجال العرب يرتدون قميصا طويلا، ويرتدي الأغنياء ثوبا بأكمام واسعة فوق القميص ويتمنطقون بحزام من الجلد ويضعون خنجرا بين ثنياته".
ويتحدث أحد الرحالة عن العلاقات الاجتماعية والغرامية فيقول:" الرجال لا يستطيعون رؤية النساء إلا من شرفاتهن عندما يتنسمن الهواء العليل في المساء، وعندئذ تبدأ شفرة سحرية في الجمع بين النساء والرجال، عندما تلمح المرأة المعينة الرجل يقوم بالإشارة لعنقه ليفهمها بأنه عبدها ترد المرأة على ذلك بالإيجاب إذا قبلت يدها وبالرفض إذا لم تقم بأي حركة".
وتقول بيرنار:" جميع الرحالة يسجلون إن هذا الشعب يحيا حياة شظف بائسة، ويقول فيلامون إن النبيذ هو الغائب الأكبر. ومع ذلك يوجد الخبز الذي يتكون من عجين الدقيق يضاف إليه القليل من الماء وأحيانا يضاف عسل النحل ويعجن فوق صوان من الخشب ولإنضاجه يوضع فوق الرمال الساخنة أو روث الإبل الجاف، وفي النهاية تحصل على خبز رقيق  يسميه الإيطاليون " فوجاتزا" ويتم تناوله نصف ناضج".
ويضيف فيلامون أن العرب لا يأكلون سوى وجبة واحدة في اليوم ما يفسر سر نحافتهم، وينام العرب فوق  حصر من القش أو سعف النخيل ويُحيّون بعضهم بالمصافحة ثم تقبيل اليد ووضعها على القلب.                                                                                                                                                      
وعن المساكن تقول بيرنار:" إن أغلب الرحالة أكثر كفاءة في وصف الآثار التاريخية عنهم في وصف مساكن الشرقيين، وبعض الرحالة وصفوا المساكن في عمومها فلا نستطيع أن نحدد بالفعل عن أي مساكن يتحدثون، فالمساكن مبنية من الخشب والطين وذات أحجام صغيرة ومنخفضة ورديئة، على الأقل تلك التي يسكنها العوام"، أما مساكن الأثرياء ففي القاهرة والإسكندرية مبان فخمة مكونة من سبع غرف مزخرفة بالرخام والمرمر المرقط، ومزينة برسومات ذهبية أو باللون الأزرق والأبواب من الأبنوس والعاج وهناك غرف مجهزة بحمامات، وتحيط بهذه المباني حدائق بها أشجار مثمرة ".
وفي خاتمة الكتاب تقول الباحثة:" نصوص رحالة القرن السادس عشر تمثل أسلوب التفكير الخاص بالإنسانيات في عصر النهضة، فلا شيء يوازي الملاحظة المباشرة على أرض الواقع للتحقق مما هو كائن بالفعل".

 

تعليق عبر الفيس بوك