الارتكاز على صندوق الرفد

 

حمود الطوقي
 
قدم لنا معالي الدكتور علي بن مسعود السنيدي وزير التجارة والصناعة رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة نماذج منتقاة من رواد ورائدات أعمال في تخصصات مختلفة تمكنوا/ تمكنّ من تحقيق النجاح في إدارة مشاريعهم الاستثمارية وتخطوا مرحلة التحديات ليشار إلى مشاريعهم الناجحة بالبنان.
هؤلاء رواد الأعمال استدعاهم معالي الوزير في محاضرته التي أقيمت بالقاعة الكبرى بجامعة السلطان قابوس؛ وقبل ذلك زار معظمهم في مؤسساتهم الصغيرة وتوقف ليتعرف عن قرب على أسلوب إدارتهم لمشاريعهم وقدم لهم النصح والتوجيه وقام شخصيا بمتابعتهم وغيرهم ممن حصل على التمويل والدعم من قبل صندوق الرفد.
سأركز في مقالي على هؤلاء الرواد كونهم نماذج ناجحة وأذكر أنني في ندوة سيح الشامخات التي عقدت بأوامر سامية عام ٢٠١٣ وفي مداخلة لي طالبت كأمنية أن نرى بعد هذه الندوة رجال أعمال جدد في الساحة التجارية في السلطنة وقلت لا ينبغي أن يدار الاقتصاد العُماني على مدار الأربعة عقود الماضية من قبل شركات وأسماء محددة بل يجب أن نرى لاعبين جددا يساهمون في رفد هذا الاقتصاد.
خلال هذه السنوات الخمسة الماضية كنت قريبا من الرفد، وريادة؛ وأتابع كصحفي الإنجازات والتحديات، وأيضاً الفشل والتعثر الذي تعرض له البعض، كما أتابع الجهود الجبارة التي يقودها صندوق الرفد ومعه ريادة، والتوجيه المستمر من قبل معالي الدكتور وزير التجارة والصناعة في التمسك والارتكاز على النماذج الناجحة لتظل ناجحة كونها تمثل بؤرة ضوء يجب تشجيعها.
النماذج الناجحة استطاعت أن تصمد؛ ويجب هنا أن نوضح أنّ النجاح في بيئة ريادة الأعمال في بلادنا ليست سهلة كون بيئة الأعمال المحيطة بعالم ريادة الأعمال صعبة؛ نظرًا للمنافسة الشرسة من قبل الشركات الكبيرة والتجارة المستترة التي هي الأخرى أحد أهم عوامل تعثر مشاريع الشباب، إلى جانب اتساع القوانين الأكثر من اللازم التي تصدرها الجهات الحكومية للحصول على ترخيص استثماري والتي تعيق الإقبال على عالم ريادة الأعمال.
على الرغم من هذه التحديات ظهرت نماذج مشرفة وعلينا أن ندعم هذه النماذج، وعلى الحكومة أن تتعاون لكي تجعل من مشروع المحطة الواحدة معولا واُسلوب نجاح لأي رائد أعمال يطرق هذا العالم الغامض.
رغم كل هذه التحديات إلا أنّ المؤشرات توضح أنّ هناك إقبالا لا بأس به من شبابنا لخوض تجربة الدخول في عالم ريادة الأعمال؛ فآخر إحصائيات المركز الوطني للإحصاء تشير إلى نمو نسبة الشباب المقبلين على تأسيس مشاريعهم الاستثمارية مقارنة بعام ٢٠١٣.
أرجو من الجهات المعنية والمختصة بما فيها مبادرة "تنفيذ" الإسراع والاستعجال، وتبسيط الإجراءات التي من شأنها إنجاح فكر حضرة صاحب الجلالة الذي وضع لبنة ريادة الأعمال في سيخ الشامخات.
علينا تقليل الإجراءات وتبسيطها، وتشجيع الشباب المتحمس، وقبل هذا وذلك التعرّف على الجدية من قبل الشباب الراغب في خوض تجربة عالم المال والأعمال، ومساعدته حتى لا يتعثر في منتصف الطريق، وأعرف يقينا أنّ هذا التوجه موجود ولكن مازالت العراقيل تخيّم على هذه الأجواء، حيث أصبحت بيئة ريادة الأعمال للأسف غير جاذبة نظرا للعراقيل والقوانين الزائدة.
التشجيع مطلوب ويجب أن يستمر ويجب أن نرى قرارات سيخ الشامخات مطبقة على أرض الواقع؛ ومنها منح الأراضي، ومنح الـ١٠% من المناقصات الحكومية، وتبسيط الإجراءات وغيرها من القوانين المحفزة؛ لكي نتمكن من رسم خارطة الطريق لعالم ريادة الأعمال في السلطنة.
هناك تجارب ناجحة لرجال أعمال عمانيين بارزين انطلقوا من البيئة العمانية الخصبة فمنهم من حقق النجاح من عمان ليحلق في فضاءات واسعة فيما وراء البحار والمحيطات مثل تجربة رجل الأعمال الأكثر بروزا في السلطنة محمد بن علي البرواني الذي أسس في منتصف الثمانينيّات شركة صغيرة تقدم خدمات في قطاع النفط والغار لتصبح الآن إحدى الشركات العملاقة على المستوى الإقليمي والدولي، وهناك تجارب ناجحة لرجال أعمال يديرون أصولا استثمارية ضخمة ينطلقون من خارج حدود السلطنة لكنهم يحملون الهوية العمانية في معاملاتهم وتعاملاتهم، ويضربون أرقى الأمثلة في النجاح والمثابرة.
رجال الأعمال العمانيون هؤلاء تجدهم في مختلف عواصم العالم في دبي ونيويورك وماليزيا وتنزانيا والمملكة المتحدة، ومنهم من فتح فروعا لشركته في الصين وكوريا والهند واليابان. ولكنهم لم ينسوا أنّ الأصل والمنبت في التجارة هي لغة يفهمها أغلب سكان عمان وتوارثوها أبا عن جد؛ كما ذكر معالي الدكتور علي بن مسعود السنيدي في محاضرته.
فقد اتسمت لغة التجارة والاستثمار بالشخصية العمانية منذ أمد بعيد، وكون هذه الصفات الاستثمارية لصيقة بالعماني فيجب على الحكومة والمعنيين في قطاع التجارة والاستثمار تشجيع الكوادر الوطنية ودعم مشاريعهم الاستثمارية، والابتعاد عن التعقيدات والحواجز   التي هي بمثابة بيئة طاردة وتحويلها إلى بيئة جاذبة.
فرائد الأعمال العُماني قادر على أن يقدم نموذجًا يُحتذى به إذا وجد أرضية مشجعة لإدارة استثماراته بعيدا عن التعقيدات وعن البيروقراطية الزائفة.
النموذج العُماني كالأمثلة التي قدمها معالي الدكتور علي السنيدي وغيرها يجب أن تشجع ويقدم لها التسهيلات والدعم المادي والمعنوي حتى تحقق الهدف المنشود.
سبق وأن كتبنا مقالات عديدة وشخصنا التحديات التي تواجه البيئة الاستثمارية ولا ننكر أن هناك جهودا تبذل ولكنها غير قادرة على أن تبرز الجانب الإيجابي للاستثمارات التي بدأت تفقد بريقها وتبحث عن أماكن آمنة لنموها، فهل سنرى التحرك الجاد لطمس كل ما يعكّر صفو لغة المال والاستثمار في بلادنا.
نتمنى ذلك وحتمًا سنرى المئات من النماذج العمانية الناجحة والتي سيشار إليها بالبنان محليا وإقليميا وعالميا. فهل سنرى في المستقبل قطاع ريادة الأعمال ضمن القيادات التي تقود قاطرة الاقتصاد.