شكرا معالي الوزير

 

علي بن سالم كفيتان بيت سعيد

 

كانت ليلة مسقطية جميلة تلقيت خلالها دعوة كريمة من جامعتي الأم، جامعة السلطان قابوس، لحضور مُحاضرة يُلقيها معالي الدكتور وزير التجارة والصناعة ونائب رئيس المجلس الأعلى للتخطيط عن موضوع شيق وساخن في نفس الوقت وهو "وجهة الاقتصاد العُماني؟" الجميل في الأمر هو ظهور أحد أعضاء مجلس الوزراء المُوقر والتحدث بشجاعة وصراحة أمام حشد من الطلبة والأساتذة ونخبة من المهتمين بالشأن الاقتصادي في البلد وأمام جميع منصات التواصل الاجتماعي وهذا ما كنَّا ننادي به في عدة مقالات سابقة أكدنا فيها على عدم ترك الساحة للتكهنات فالصمت على القضايا الداخلية لم يعُد مجدياً.

كان الرجل متحدثًا لبقًا واستطاع توظيف الذكاء العاطفي بحنكة متناهية مما جعل القاعة تعج بالتصفيق عدة مرات فقد تناول معاليه التجارب الناجحة للشباب الذين وظفوا إمكاناتهم وخبراتهم وطموحاتهم معاً لتأسيس شركات ناجحة معظمها بدأت من الصفر وخلال ثلاث سنوات أصبحت قيمتها تتخطى ملايين الريالات وتبين من خلال الحوار الحميمي الذي دار بين المحاضر وأصحاب المشاريع الذين تمَّ تحضيرهم بأن معاليه يعرفهم بالأسماء بل وزار جميع مشاريعهم وهذه خطوة تحسب للرجل لكننا نتوقع أن الكثير من الطامحين وأصحاب الأفكار الخلاقة في مُختلف مناطق سلطنتنا الحبيبة لن يتمكنوا من الوصول لمعاليه لكي يصبحوا رجال أعمال ناجحين.. وهل الصورة الكاملة لاقتصاد المُستقبل يمكن اختزالها في هذه العينة؟

رغم امتداد المحاضرة لعدة ساعات لم يشعر أحد بالملل والسبب كما ذكرت لكم الطبيعة الكارزمية والحوار الواثق الذي كان يُقدمه معاليه والحضور الجميل للناجحين على أرض الواقع، لكن الحديث عن مستقبل الاقتصاد العُماني كان باهتاً فقد اعتمدت معظم الأرقام والمقارنات التي عرضت تلك الليلة على نتائج الربع الأول من عام 2018 وحسب المعروض بينت النتائج أرقاماً طامحة لقطاع الخدمات وغيره على حساب قطاع الطاقة غير المتجددة وهذا هو الطموح لكن ..هل يا ترى تكفي نتائج ثلاثة أشهر للحكم على وجهة الاقتصاد العُماني؟

لا شك أنَّ المستقبل كما ذكر معاليه هو لقطاع الذكاء الاصطناعي والابتكارات الخلاقة بعيداً عن التشبث بفرص التوظيف الحكومية وخير مثال على ذلك هي قصص النجاح التي حضرت تلك الليلة مع جميع أبطالها فهم عُمانيون أتيحت لهم الفرصة ودخلوا المنافسة في الوقت المناسب ونالوا مرادهم، فشركاتهم أصبحت اليوم علامات تجارية بارزة ولها مردود مالي جيد بفضل الإصرار والشغف بتحقيق الأحلام فمعظم التجارب التي عُرضت هي لشباب تخرجوا في جامعة السلطان قابوس وغيرها من الجامعات والكليات والمعاهد ومعظمهم لم يكن مشروعه يتطابق مع التخصص الذي درسه على طاولات التدريس ومن هنا ذكر معاليه أنّ الشهادات هي مجرد مفتاح للولوج للحياة ولكنها تظل بابا صغيرا للمعرفة بما هو موجود على أرض الواقع.

من الملاحظ أنَّ النقاش دار بالكامل عن قصص النجاح ولم يُعطي المؤشرات الكافية للاقتصاد العُماني خلال المرحلة المقبلة وبالرغم من ذلك فإنَّ الطلبة كانوا سعداء وصفقوا كثيراً لزملائهم الناجحين ولا شك أنّ ذلك سيحفزهم للتفكير خارج الصندوق وهذا ما نجح فيه معاليه في تلك الليلة بينما ساد الوجوم على وجوه أساتذة الاقتصاد وأعضاء مجلس عُمان الحاضرين فالمناقشة التي أتيحت بعد المحاضرة كما يبدو كانت أسئلتها جاهزة ولم يعط مجال للحديث عبر القاعة مباشرةً.

لعل ما أفرح الجميع هو اللهجة المتسامحة التي نقلها معاليه وخاصةً حول عدم الجاهزية لتطبيق ضريبة القيمة المضافة وهنا إشارة واضحة لنهج قيادة مولانا جلالة السلطان -حفظه الله وعافاه- لشعبه بأن الضرائب ليست هدفاً ولكنها يمكن أن تكون نهجاً متحضراً عندما تكتمل كل السبل لتطبيقها فقط.

.....................................

نقطة نظام: إن التشريح الذي تعرض له حديث معاليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي وانتقاء نتوءات منه وعزلها عن المحتوى العام للمحاضرة يعد سابقة غير حميدة ويوحي بانتقائية عاطفية على حساب تجاوب الحكومة وظهور أعضائها في مؤتمرات صحفية وأحاديث عامة كان الجميع يترقبها لمعرفة توجهات الحاضر ورؤى المستقبل.

alikafetan@gmail.com