43 ورقة وأكثر من ١٥٠ وثيقة في افتتاح أعمال المؤتمر الدولي السابع " العلاقات العمانية البريطانية"

...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...

 

 

 

  •  الضوياني: سياسة سلطنة عُمان اتسمت بحب الخير للإنسانية وتاريخها منحها خصوصية وهوية ثقافية وأخلاقية

 

  • اليستر بيرت: الاتفاقية المبرمة بين البلدين تنص في سطرها الأخير على أن تبقى علاقاتنا للأبد

 

 

  • مشاركة نخبة من الأساتذة والباحثين والمثقفين يمثلون 12 دولة بالمناقشات والدراسات التاريخية

 

  •  تدشين كتاب "تاريخ العلاقات بين بريطانيا وعمان" والذي يؤكد على متانة العلاقة التي بدأت منذ القرن السابع عشر
  •  عرض فيلمين الأول بعنوان (العلاقات العُمانية البريطانية) والثاني (ذاكرة وطن)

 

 

 

 

 

الرؤية- مدرين المكتومية

افتتح صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة صباح أمس أعمال المؤتمر الدولي السابع العلاقات العمانية البريطانية خلال الفترة من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر، والمعرض الوثائقي المصاحب للمؤتمر، والذي تنظمه هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، وذلك بحضور عدد من أصحاب المعالي والسعادة والمسؤولين والباحثين والمهتمين والمختصين في مجال التاريخي والحضاري والثقافي.

 يأتي تنظيم المؤتمر في إطار الاهتمام بالجوانب التاريخية والحضارية والثقافية والعلاقات الدولية التي تربط عمان بدول العالم أجمع، والذي يعقد خلال الفترة من 8 إلى 10 أكتوبر الجاري بفندق كمبينسكي مسقط (الموج). فيما سيستمر المعرض الوثائقي حتى 12 أكتوبر، يشارك في المؤتمر الدولي الذي يستمر 3 أيام نخبة من الأساتذة والباحثين والمثقفين يمثلون 12 دول من بينها بريطانيا والعراق والجزائر وتونس ومصر واليمن والسودان والكويت والبحرين إلى جانب السلطنة، حيث يناقش المؤتمر 43 ورقة في 3 محاور.

استهل المؤتمر بكلمة ألقاها سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية وقال: دأبت الهيئة على عقد المؤتمرات العلمية والفكرية والتاريخية وتنظيمها داخل الوطن وخارجه بهدف التعريف بالجوانب الحضارية والتاريخية لعمان وتاريخها التليد. لقد كان لموقع عُمان حكاية خاصة من الوجهة الطبيعية بالجغرافيا فهي وليدة علاقة ثنائية بين التاريخ والحضارة، القطر الذي يتنامى بوتيرة تصاعدية لم يعرف التجمد الحضاري بل شهدت عمان الكفاح في أعماق البحار وتأمين لقمة العيش التي سبقت بآلاف السنين مشهد تدفق النفط، وهكذا عاشت عُمان من ألفية إلى الفية أخرى فلم يبق شيء إلا وجرى التعامل معه تبعاً لمقتضيات الحياة لتؤكد لنا المكتشفات والحفريات وجود نوع من التكامل الاقتصادي نتيجة لحركة التصدير والاستيراد بين عُمان وشعوب أخرى؛ الأمر الذي يقودنا إلى معرفة تقنية النقل والانتقال وبناء المدن، والوعي بالموارد والتعامل معها حرفياً وصناعياً فقد عرفت معنى التجارة والازدهار والتبادلات العينية والنقدية وقيمة المعادن النادرة من الذهب والفضة والنحاس فتكاملها الحضاري ساهم في قدرتها على التعاطي مع الحضارات الأخرى فكان بحارة وتجار مجان في بيئة ثقافية وتقنية، وعرفت عمان السفن العابرة للمسافات الطويلة والكتابة وأعمال التعاملات المالية، وهو ما مكنها من بناء علاقات تواصل مع بلاد ما بين النهرين وهو ما ساهم في تنشيط أعمال المناجم وما يتصل بها من تعدين وصهر وتصدير للنحاس فضلاً عن قيام عُمان بتصدير المنتجات الزراعية واللبان عبر الممرات البرية والبحرية إلى أوطان الحضارات القديمة، هكذا بقيت عُمان متفردة متميزة مما جعل التاريخ في أصله يستنطق عُمان من خلال الإنسان العماني ومن خلاله تقف وجهاً لوجه أمام شبه الجزيرة العربية كلها وأمام بلاد فارس واتجاه البحر لتقف أمام شبه القارة الهندية أنها منطقة الجوار الجغرافي الممتد والمتصل تمد عُمان يدها إليهم بالمحبة والسلام وتدعو إلى الأمن والوئام فلا غرابة في ذلك فمنذ فجر التاريخ وعُمان مكتظة بالتنوع الذي منحها خصوصية ورمزاً وهوية ثقافية وأخلاقية اكتستها ووحدت النسق التاريخي والتفاعلات الاجتماعية والاقتصادية، وتشكلت الهوية الوطنية العمانية التي أبقتها مستقلة مكتفية بفكرتها متوحدة في مواجهة الغزاة الذين تعاقبوا للنيل من وحدتها وترابها، فكان إدراك العمانيين للمخاطر مبكراً فبرز الإمام غسان بن عبدالله اليحمدي في القرن التاسع الميلادي كحاكم تميز بالحس السياسي للمخاطر المحدقة ولغارات القراصنة؛ حيث عمد إلى صنع قوة بحرية عسكرية ليقطع الطريق بها على كل من يحاول العبث بأمن عُمان فعرفت بذلك عُمان مهمة استكمال الخطوط الدفاعية البحرية والبرية، فمنذ القرن العاشر وإلى القرن السادس عشر الميلادي تدخل عُمان في مواجهات عسكرية متعاقبة تسودها فترات السلم والاستقرار فهي قادرة على التجاوب مع ما يسود العالم من فترات سلم وحرب وفترات رخاء وازدهار وتبادل علاقات مختلفة، حيث عاش العالم والبشرية في صراعات على امتداد القرون والحقب التاريخية وبأنماط مختلفة من حقبة إلى أخرى لنصل إلى حاضرنا الذي نشهد فيه أنماطا من العيش واختلافها والصراعات والتحالفات وأنواعها وتمكنت عُمان لتخرج في النصف الأول من القرن السابع عشر من السيطرة البرتغالية كأقوى قوة بحرية محلية في غرب المحيط الهندي، وأسهم تواصلها وبناء علاقاتها مع بريطانيا في الاستعانة بخبرة شركة الهند الشرقية البريطانية في تعزيز قدرات الأسطول العماني، ومن هنا تمضي العلاقات قدماً في إبرام المعاهدات مع المملكة المتحدة وبأطوار متباينة بداية من التحالفات ضد العدو المشترك ومرورا بالنفوذ البريطاني في المنطقة وانتهاء بالشريك التجاري والاستراتيجي في الوقت الراهن ويأتي ذلك انسجاماً وتوافقاً مع التوجهات والالتزامات التي أرستها المعاهدة البريطانية العمانية التي وقعها السلطان السيد سلطان بن أحمد في عام 1798م. وما يميز هذه الاتفاقية في ما ورد فيها من تأكيد لثبات واستمرارية العلاقات والالتزام بها من الدولتين حيث أكدت في أحد بنودها بعبارة مشهودة ومشهورة تشير إلى : باستطاعة الصداقة بين الدولتين أن تبقى ثابتة مدى الدهر وحتى تنهي الشمس والقمر مسيرة دورانهما.

وأضاف سعادته: أرست عُمان مبادئها السامية الرفيعة في حسن التعامل وثوابت المواقف ومد يد المحبة والسلام ونشر الطمأنينة والأمان؛ وهو ما أسهم في امتداد العلاقات التجارية في عمق الأراضي الآسيوية والأوروبية والإفريقية فسار الركب على هذا النهج الذي وصل ذروته في عهد السلطان سعيد بن سلطان فالمجد لسان أوصافه والشرف نسب أسلافه سلطان الشرق وأفريقيا فمن زنجبار عاصمته تهافتت عليه الأمم والشعوب لكسب وده، فله أياد قد عمت الآفاق وطوقت الأعناق، اتسم بالتسامح والتواصل في سياساته وعلى نهج ذلك مضت عُمان بثبات ويقين لا يتزعزع ليصل هذا الالتزام الثابت في النهج الحكيم في ذروته وتمكينه وتأسيسه وفق المبادئ التي أرساها مولانا جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه-  وقد اتسمت سياسة السلطنة بحب الخير للإنسانية.

 واختتم بتوجيه خالص الشكر وعظيم التقدير إلى المقام السامي مشيرا إلى أنّ اهتمام وعناية جلالة السلطان -حفظه الله ورعاه- بالنهوض بقطاع الوثائق والمحفوظات وإيلاء الجوانب الحضارية والتاريخية والفكرية الاهتمام الأكبر في خطط وبرامج الهيئة، كما وجه الشكر إلى المشاركين من مختلف الجهات والدول الشقيقة والصديقة في أعمال المؤتمر.

ثم ألقى معالي اليستر بيرت وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط بالمملكة المتحدة كلمة أشار فيها إلى عمق ومتانة العلاقات بين عمان وبريطانيا وقال: أود التركيز على مستقبل هذه العلاقات أكثر من الماضي، وهناك تبادل تجاري كبير بين البلدين، وشراكات التعليم بين البلدين كبير أيضا حيث تصل إلى 20، والعديد من الطلبة العمانيين في المملكة يتلقون تعليمهم، كما يعد تمرين السيف السريع 3 هو الأكبر لنا في المنطقة، وأشدد على أنّ العلاقات بين البلدين تمتد لقرون عديدة، ونحن حريصون على امتداد هذه العلاقات للأجيال القادمة.

 

تدشين الكتاب

وشمل الحفل تدشين كتاب (تاريخ العلاقات بين بريطانيا وعمان) لمؤلفيه سعادة السفير لينج وسعادة السفير الستون سفيري بريطانيا لدى السلطنة سابقا، حيث أكدا في بحثهما على متانة هذه العلاقة التي بدأت منذ القرن السابع عشر الميلادي مستندين بذلك على الأدلة من خلال الوثائق والمستندات.. كما سلط الباحثان الضوء على العقود الخمسة الماضية من خلال تجربتهما الشخصية كونهما سفيرين سابقين لبريطانيا لدى السلطنة.

كما شمل الحفل عرض فيلمين الأول بعنوان (العلاقات العُمانية البريطانية) تناول العلاقات التاريخية التي تربط البلدين الصديقين والتي تمتد لعدة قرون من الزمان، والثاني فيلم هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية (ذاكرة وطن) يحكي نبذة عن هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية والتعريف بمجالات عملها، وإنجازاتها ودورها في الحفاظ على الموروث الحضاري، والهدف من إنشائها والذي يتمثل في الحفاظ على الذاكرة الوطنية للبلد لتكون رافدا أساسيا للباحثين والمستفيدين، وبداية مسيرة العمل نحو بناء نظام عصري جديد لإدارة الوثائق والمحفوظات في الجهات الحكومية وتطبيق المواصفات الدولية المعتمدة.

واحتوى المعرض الوثائقي على أكثر من 150 وثيقة وعدد من الصور والمجلات والطوابع والعملات التي تشير إلى العلاقات الوطيدة التي تربط عُمان ببريطانيا، بالإضافة إلى عرض عدد من الخرائط للطرق التجارية والاستكشافية وامتداد السواحل العمانية وخرائط للمدن.

كما اشتمل المعرض أيضًا صور الزيارات الرسمية بين سلطنة عُمان وبريطانيا، إلى جانب عدد من الصور التي تعكس تواصل البلدين في الجوانب التنموية واللقاءات الودية والزيارات والاجتماعات الأخوية.

ويُسلّط المعرض الوثائقي الضوء على مقالات تاريخية للصحف العالمية التي تتحدث عن عُمان وزنجبار وسلاطينها والحياة الاجتماعية فيها، ويسرد العلاقات الدبلوماسية والودية والاتفاقيات والمعاهدات بين البلدين.

ويتكون المعرض من عدة أركان من بينها العلاقات القنصلية والاتفاقيات والمعاهدات والعلاقات التجارية والشؤون البحرية وعُمان وزنجبار في الصحافة البريطانية وشؤون الصحة والتعليم وصور الزيارات والعلاقات الدبلوماسية والسياسة.

 

محاور المؤتمر

وتشمل المحاور التي يناقشها المؤتمر المحور السياسي والتاريخي، وسيتطرق إلى نشأة العلاقات العمانية البريطانية في القرن السابع عشر (عهد دولة اليعاربة)، وموقف عمان من النفوذ البريطاني في منطقة الخليج والمحيط الهندي، والموقف البريطاني من الأوضاع الداخلية في عمان وتأثيراتها، والتوجهات السياسية البريطانية تجاه عمان خلال فترة حكم السلطان سلطان بن أحمد والسلطان سعيد بن سلطان، والدور البريطاني في أحداث انقسام الإمبراطورية العمانية في الشطرين الآسيوي والإفريقي. وفي المحور الاقتصادي يناقش المؤتمر الزيارات الاستكشافية البريطانية لعمان قبل قيام دولة اليعاربة، والمعاهدات والاتفاقيات التجارية بين عمان وبريطانيا، وأثر التنافس الاقتصادي بين بريطانيا والدول الأوروبية (هولندا، فرنسا، ألمانيا، روسيا، الدولة العثمانية) على علاقتهم بعمان، والتأثير البريطاني على العلاقات الاقتصادية لعمان والدول الأخرى، ودور شركة الهند الشرقية في التعاون التجاري بين عمان وبريطانيا، والمنافسة البريطانية للسفن والأسطول العماني التجاري في مياه المحيط الهندي. ويناقش المحور الثقافي عمان في كتب الرحالة والمستكشفين البريطانيين، ومجالات التعاون بين عمان وبريطانيا في المجالات العلمية والثقافية، ومجالات التعاون بين عمان وبريطانيا في مجال التنقيبات الأثرية، والوثائق والمخطوطات العمانية في المكتبات والأرشيفات البريطانية، والرحلات والزيارات الأدبية والثقافية بين عمان وبريطانيا.

 

جلسات العمل

وبالعودة إلى جلسات المؤتمر تضمنت الجلسة الأولى من اليوم الأول 7 أوراق وترأسها الأستاذ الدكتور العروسي الميزوري، حيث افتتحت بورقة جريمي جونز، مستشار مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية بالمملكة المتحدة، تناول فيها تاريخ المحيط الهندي خلال القرن التاسع عشر .

واقترحت الدراسة تحليل الجوانب الرئيسية للأفعال والسياسات العمانية خلال تلك الفترة للتمييز بين تلك الأفعال التي جاءت كرد فعل (سواء كان تعاونيا أو تنافسيا) إزاء الأهداف والأفعال البريطانية، وعن غيرها من الأفعال التي يمكن القول بأنها كانت مستقلة أو صانعة (أدوات فاعلة) للعالم.

فيما تناولت الورقة الثانية "الاتفاقية البريطانية العمانية الأولى الموقعة في صحار عام 1646م أسبابها ونتائجها" للدكتور سعيد بن محمد بن سعيد الهاشمي، أستاذ مشارك للتاريخ الحديث والمعاصر بجامعة السلطان قابوس، حيث قامت دولة اليعاربة عام 1034هـ/1624م، بانتخاب ناصر بن مرشد إماماً لعمان؛ وذلك من أجل توحيد الولايات العمانية التي تكونت بعد انهيار دولة النباهنة الثانية عام 1026هـ/1617م، وطرد الاستعمار البرتغالي من الولايات الساحلية والتي اغتصبوها عام 913هـ من المملكة الهرمزية. وتعد صحار من العواصم العمانية قبل وبعد الإسلام، ثم ضعفت لكونها واجهة للبحر ومعرضة للغزاة. وفي القرن 6هـ حكمها النباهنة، مرشد بن أبي مرشد النبهاني، ثم أصبحت تابعة للمملكة الهرمزية منذ 1261م. وقد نجح الإمام ناصر في تحريرها عام 1643م، وبعد ثلاث سنوات وقع الإمام هذه الاتفاقية مع مندوب الشركة الهندية الشرقية البريطانية. وهذه الاتفاقية الأولى من نوعها التي يوقعها إمام عماني مع دول أجنبية، وتكمن أهميتها في أسباب توقيعها، وما ترتب عليها من نتائج. وقسم الهاشمي الدراسة إلى ثلاثة مباحث: الأول أسباب توقيع الاتفاقية ودوافعها، في ظل أنّ البرتغاليين لا يزالوا مسيطرين على بعض المدن العمانية وسفنهم تجوب البحر، والتحقيقات جارية في ضياع صحار من سيطرتهم، والثاني مناقشة الاتفاقية ذاتها وما اشتملت عليها من بنود، مع مقدرة البريطانيين على الوفاء بها، أمّا الثالث فتطرق إلى نتائج هذه الاتفاقية وما مدى استفادة عمان من الدور التجاري البريطاني، وما حققته عمان من مكاسب لكون صحار أصبحت الميناء التجاري للإمام ناصر بن مرشد.

 

انتزاع جوادر العُمانية

وفي الورقة الثالثة ناقش الشيخ الدكتور عبد الله بن علي آل خليفة، من مملكة البحرين " الاتفاقيات البريطانية في انتزاع جوادر العُمانية" قال فيها إنّ الموقع الاستراتيجي التي تتمتع عُمان به من خلال إشرافها على سواحل خليج عُمان وبحر العرب والخليج العربي مكنها من خلال أئمة عُمان وسلاطينها من توسيع رقعة ملكهم منذ دولة اليعاربة وحتى الدولة البوسعيدية، فقد كانت عمان إحدى أكبر الدول العربية التي تمتلك أطرافا ومدنا ومراكز تجارية وموانئ خارج السلطة المركزية (مسقط)، إلا أنّ الدور البريطاني كان واضحاً في السعي لتقليص تلك الرقعة من السيادة البوسعيدية العربية من خلال الاصطفاف ضد السلطنة تارة وتارة أخرى من خلال تكبيل السلطنة بالاتفاقيات السياسية والاقتصادية التي أدت في النهاية إلى التنازل عن الأراضي التي كانت تحت السيطرة العُمانية المباشرة وذلك تزامناً مع تقليص الدور البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية ونشوء الدول القومية الحديثة سواء في أفريقيا أو في آسيا.

 

صداقة أم تبعية

فيما جاءت الورقة الرابعة للدكتور للأستاذ الدكتورعبد الحميد شلبي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، ورئيس قسم التاريخ بجامعة الأزهر، جمهورية مصر العربية، بعنوان "المعاهدات العمانية البريطانية صداقة أم تبعية؟" قراءة في نصوص معاهدات النصف الأول من القرن التاسع عشر" وأشار فيها إلى أنّ القوة البحرية والدهاء السياسي لبريطانيا لعبتا دورا في بسط سيادتها على مساحات شاسعة في آسيا وأفريقيا، وكانت منطقة الخليج العربي واحدة من المناطق التي امتد إليها النفوذ البريطاني إما عن طريق العلاقات الاقتصادية مع بعض الدول والمشيخات أو عن طريق فرض الحماية والتبعية على البعض الآخر.

 

اختلاف المواقف

وقدمت الدكتورة ناهد عبد الكريم أستاذ مشارك، بجامعة السلطان قابوس الورقة الخامسة بعنوان "الموقف الإيطالي من معاهدة 1891 بين عمان وبريطانيا" تناولت فيها خوف بريطانيا من اعتراض أية دولة خطوط مواصلاتها مع الهند سواء كان عن طريق البحر الأحمر أو عن طريق إقامة علاقة مع جنوب الجزيرة العربية والخليج العربي منذ الحملة الفرنسية على مصر عام 1798. وبعد قيام الوحدة الألمانية والوحدة الإيطالية عام 1870 ازدادت المخاوف البريطانية من المنافسة الاستعمارية لها في مجال نفوذها ومستعمراتها، فقد اندفعت هاتان الدولتان الصاعدتان للبحث عن مناطق نفوذ لهما، ونتيجة قيام هذا التنافس المحموم مضافا إليه ترصد فرنسا لبريطانيا في المحيط الهندي والخليج العربي، أرادت بريطانيا تعزيز نفوذها في هذه المناطق فكان أن أقدمت على توقيع معاهدة جديدة عام 1891 مع سلطان عمان فيصل بن تركي آل سعيد، وأتبعتها بملحق. وقد اختلفت المواقف من تلك المعاهدة، فقد وجد البعض فيها نوعا من الحماية والبعض الآخر اعتبرها مجرد معاهدة صداقة، حيث تحاول الباحثة في هذا البحث للكشف عن الموقف الإيطالي من تلك المعاهدة وكيف جرى تفسيرها خاصة وأن بريطانيا شكلت تحالفا مع إيطاليا في وجه التحالف الفرنسي الألماني.

 

مخاوف حقيقية

فيما قدم الدكتور صالح بن عامر الخروصي وزير مفوض، بوزارة الخارجية الورقة السادسة بعنوان "العلاقات العمانية البريطانية من خلال اتفاقيتي 1798 و1800م" وأشار فيها إلى أن استيلاء نابليون بونابرت على مصر في عام 1798 أثار مخاوف حقيقية لدى بريطانيا من التهديد المباشر على مصالحها في الهند لا سيما مع نمو العلاقات التي ربطت آنذاك بين فرنسا وعمان وبعض القوى المحلية في الهند. وكانت أهمية مسقط ـ بالنسبة للإدارة البريطانية في الهند ـ لا تكمن فقط في منع الفرنسيين من الوصول إليها، وإنّما تتجاوزها إلى الفوائد التجارية والاستراتيجية التي تحظى بها، وقد نجحت في التوصل إلى عقد اتفاقية مع حاكم عُمان السيد سلطان في 12 اكتوبر 1798 تضمنت سبعة بنود أكدت على التزام عمان بعدم السماح لفرنسا وهولندا بإقامة وكالة أو ممثلية لهما طالما كانتا في حرب مع الشركة الإنجليزية، كما وافق السيد سلطان على الاستغناء عن خدمات طبيبه الفرنسي، وأشارت إلى التزام سلطات مسقط بالدفاع عن السفن البريطانية إذا تعرضت لهجوم داخل مياه الميناء. وقد أدى استمرار الخطر الفرنسي في مياه المحيط الهندي واستمرار التواصل بين مسقط والإدارة الفرنسية في بورت لويس إلى قيام الإدارة البريطانية في الهند بإيفاد الكابتن جون مالكولم إلى مسقط ليؤكد للسيد سلطان على وجوب التزامه ببنود اتفاقية 1798. وقد توصل الطرفان في 18يناير 1800م إلى توقيع اتفاقية جديدة تتكون من فقرتين أشارت أولاهما إلى التأكيد على اتفاقية 1789م وأشارت الثانية إلى إقامة ممثل للشركة في مسقط بشكل دائم.

 

المصالح البريطانية

واختتمت الجلسة الأولى بالورقة السابعة للأستاذ الدكتور إبراهيم سعيد البيضاني الأمين العام للاتحاد الدولي للمؤرخين، بالعراق، والتي تناول فيها "المصالح البريطانية في عمان خلال القرن التاسع عشر، قراءة من خلال التنافس الدولي والتنافس الأمريكي البريطاني" وفيها حاول الباحث قراءة المصالح البريطانية في عمان ودراسة العلاقات العمانية البريطانية في إطار التنافس الدولي خلال القرن التاسع عشر والتركيز على التنافس الأمريكي البريطاني وتأثيره على العلاقات العمانية البريطانية. من المؤكد أنّ بريطانيا سبقت الولايات المتحدة في الخليج العربي عموما وعمان على وجه الخصوص، إذ يعد تأسيس شركة الهند الشرقية الإنجليزية بداية لهذا النفوذ، فضلا عن أنّ بريطانيا دخلت في صراع مع البرتغاليين في مضيق هرمز وتمكنت من إبعادهم بالتعاون مع إيران سنة 1623، ثم دخلت في صراع وتنافس مع الهولنديين طيلة القرن السابع عشر، ثم مع الفرنسيين في القرن الثامن عشر ومنذ وقت مبكر بعد استقلالها دخلت الولايات المتحدة منافسا جديدا لتكون مدخلا لوضع دولي جديد وتنافس دولي جديد في القرن التاسع عشر. أسست الولايات المتحدة لها مصالح في عمان منذ عام 1823 وحصلت على امتيازات ومصالح للتجار الأمريكيين، ويؤشر عام 1833 منعطفا مهما في العلاقات العمانية الامريكية من خلال عقد الاتفاقية التجارية بينهما، وأخذت الولايات المتحدة تدعم مصالحها وتعززها من خلال نشاطات بحرية وعسكرية وتبشيرية، وبالتالي فإنه على الرغم من قوة وهيمنة بريطانيا في المنطقة، إلا أنّ الولايات المتحدة تمكنت أن تخترق هذا النفوذ وتؤسس لها مصالح في عمان.

وترأس الجلسة الثانية الدكتور سعيد بن محمد بن سعيد الهاشمي الجلسة الثانية من اليوم الأول حيث قدم الدكتور جمعة بن خليفة البوسعيدي مدير عام المديرية العامة للبحث وتداول الوثائق ورقة بعنوان "علاقات عمان مع بريطانيا في عهد السيد سلطان بن أحمد البوسعيدي "مرحلة التوازن والتنافس" نموذجا لمعاهدة 1798م والتي تتناول في محاورها سياسة الوجود الإنجليزي في الجوانب السياسية والتجارية والعسكرية وأهم دوافع التدخل الإنجليزي ودور شركة الهند الشرقية البريطانية. ويستعرض البحث مسيرة العلاقات العمانية البريطانية خلال حكم السيد سلطان بن أحمد البوسعيدي (1792-1804م) وإبرازها عبر مجرى الأحداث التي شهدتها عمان خلال القرن الثامن عشر ومنتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وموقف بريطانيا نحو المياه "الدافئة" حيث تشكل العامل المحرك والأساسي لسياستها نحو عمان والخليج العربي عبر الأراضي الفارسية بشكل خاص. ومن الجدير بالذكر أن بريطانيا تمكنت من تثبيت موقعها في عمان ومناطق الخليج العربي. وامتد النشاط الإنجليزي في عهد الدولة اليعربية مما دفع الشركة الإنجليزية عام 1659م إلى اقتراح إنشاء وكالة لها في مسقط لمواجهة زيادة عدد السفن الهولندية بالموانئ العمانية في عامي 1659-1660م والسبب في ذلك يعود إلى وصول أربع سفن محملة بالبضائع الثمينة من التوابل والنحاس والقصدير جاءت من باتافيا (Batavia) الواقعة في الهند الشرقية الهولندية واليابان وصولا إلى الخليج بهدف إغراق الأسواق ومواجهة الشركة الإنجليزية، وكان اليعاربة في عمان يعتبرون الهولنديين منافسين لبحريتهم وتجارتهم في بحار الشرق. وبدأت العلاقات العمانية البريطانية منذ وصول السفن البريطانية في شبه القارة الهندية وبلاد فارس والشرق الأفريقي في القرن السابع عشر الميلادي، وبدأ ظهور بريطانيا في عمان ومنطقة الخليج العربي كقوة منافسة استعمارية بعد أن سبقتها في المنافسة على عمان والبرتغال وهولندا وفرنسا واستمرت العلاقات قائمة بين عمان وبريطانيا حتى أبرمت أولى الاتفاقيات مع الدولة البوسعيدية في عهد السيد سلطان بن أحمد البوسعيدي عام 1798م بهدف إنشاء علاقات بين عمان وبريطانيا.

 

النشاط الفرنسي

كما قدم الاستاذ الدكتور إبراهيم عبدالمجيد محمد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بجامعة المنصورة ورقة حملت عنوان " الموقف البريطاني من النشاط الفرنسي في عمان (1759-1814) والتي أستعرض فيها الموقف البريطاني من النشاط الفرنسي في عمان في الفترة ما بين عامي 1759 و1814 حيث اشتد التنافس الاستعماري بين بريطانيا وفرنسا، سواء في العالم القديم أو الجديد، واستطاعت بريطانيا أن تتغلب على غريمتها فرنسا في حرب السنوات السبع (1756-1763)، وهي الحرب التي أفقدت فرنسا معظم مستعمراتها، ولم يتبق في حوزة فرنسا إلا القليل من الجزر، أهمها موريشيوس والبوربون، وبذلك خلا الميدان لبريطانيا فانفردت بالنفوذ في الخليج العربي. وكان الاتصال الأول الموثق بين مستعمرة موريشيوس الفرنسية وعمان في أكتوبر 1759 في عهد السيد أحمد بن سعيد، واستمرت هذه العلاقات حوالي خمسين عاما. ومع تولي السيد حمد بن سعيد (1792-1783)، الحكم تطورت العلاقات العمانية مع الفرنسيين في جزيرة موريشيوس، ووصلت إلى التباحث حول إنشاء وكالة تجارية ومقر للقنصلية في مسقط، إلا أن الظروف في ذلك الوقت وقفت حائلا دون ذلك بسبب قيام الثورة الفرنسية عام 1789. وفي عهد السيد سلطان بن أحمد (1804-1792) أكدت لجنة العلاقات الخارجية في باريس قيمة مسقط الاستراتيجية وذلك لمراقبة أفريقيا والهند والخليج. وفي 12 أكتوبر 1798 أبرمت شركة الهند الشرقية البريطانية معاهدة مع حاكم عمان السيد سلطان بن أحمد في محاولة لإبعاد الفرنسيين وحلفائهم الهولنديين عن عمان، لكن العلاقات العمانية الفرنسية استمرت ودية في طبيعتها، ومع ذلك تم توقيع اتفاقية جديدة معها في 18 ديسمبر لم تخرج بنودها عن بنود معاهدة 12 أكتوبر 1798.

 

الإمبراطورية العمانية

وقدم الأستاذ الدكتور سعيدي مزيان أستاذ التعليم العالي في المدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة بالجزائر ورقة بعنوان "علاقة الإمبراطورية العمانية بالقوى الاستعمارية الكبرى (إنجلترا وفرنسا) في عهد السيد سعيد بن سلطان (1806-1856م)" وأشار فيها إلى أن عصر السيد أحمد بن سعيد، مؤسس الدولة البوسعيدية، شهد تزايد التنافس البريطاني-الفرنسي على منطقة الخليج العربي، خاصة خلال فترة ما يعرف بحرب السّنوات السّبع (1756-1763م) حيث آثر البقاء على الحياد حفاظا على استقلال عمان. بعد وصول الحملة الفرنسية إلى مصر سنة 1798م، كتب نابليون بونابرت رسالة إلى السلطان سلطان بن أحمد يدعوه فيها إلى إقامة تحالف بين فرنسا وعمان في مواجهة بريطانيا، وردا على ذلك بادرت بريطانيا عن طريق ممثل شركة الهند الشرقية الإنجليزية في بوشهر إلى توقيع اتفاقية معه سنة 1798م نصّت على أن يسمح سلطان مسقط للإنجليز بإنشاء قاعدة في بندر عباس وتواجد حامية عسكرية بها. في ظلّ هذا التنافس الاستعماري مع مطلع القرن 19م برزت شخصية السّلطان سعيد بن سلطان (1856-1806م) التّي تميّزت بالقوّة والإرادة الصّلبة، والحنكة الدبلوماسية، جعلته من الأفذاذ في تاريخ شرق الجزيرة العربية وشرق إفريقيا خلال القرن 19م، بل لا نكون مبالغين إذا اعتبرناه من الشّخصيات الهامّة جدّا في تاريخ العرب الحديث والمعاصر. وقد وصفت العديد من المصادر التاريخية الأسطول العماني على عهده بأنّه كان أقوى أسطول تمتلكه دولة في النّصف الثّاني من القرن 19م من اليابان حتّى رأس الرجاء الصالح ويأتي في المرتبة الثانية بعد الأسطول البريطاني.

 

القوة البحرية

كما قدّم خليل بن عبدالله بن سليمان العجمي معلم أول مادة تاريخ ورقة بعنوان "تنامي قوة عُمان البحرية ودورها في دفع البريطانيين لإقامة تحالف سياسي وتجاري مع حكام دولة اليعاربة الأوائل (1650-1700م) وبين فيها: ظهور الإنجليز في المحيط الهندي منذ بداية القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي عندما أرادوا كسر احتكار البرتغاليين لتجارة الشرق، أما عن اتصالهم بالخليج العربي فقد ظهروا في بداية القرن السابع عشر الميلادي رغبة منهم في المتاجرة بالصوف واستبداله بالحرير الفارسي، ورغبوا في إقامة علاقات تجارية، وسياسية مع عمان نكاية بالبرتغاليين، وبدا ذلك جلياً بعد طردهم من عمان سنة 1650م، وتعالج هذه الورقة الجوانب الآتية، أثر التنافس الأوروبي في منتصف القرن السابع عشر الميلادي على توجه الإنجليز لإقامة علاقات سياسية وتجارية مع عمان، والتعرف على موقف حكام اليعاربة من رغبة الإنجليز في التعاون معهم، وأهمية تنامي قوة البحرية العمانية في دفع الإنجليز لإقامة تحالف مع العمانيين ضد البرتغاليين، ومعرفة موقف القوى الأوروبية من التقارب العُماني الإنجليزي ، وتسليط الضوء على الخلاف بين الأسطولين العُماني والإنجليزي والاستفزازات المتبادلة فيما بينهما في أواخر القرن السابع عشر الميلادي، الى جانب معرفة الأسباب التي أدت لرفض حكام دولة اليعاربة العمل بالاتفاقيات الموقعة مع الإنجليز، وتتبع متى تطوّرت العلاقة بينهما بشكل لافت ووقت متى ضعفها؟ ومصير هذه العلاقة في نهاية القرن السابع عشر الميلادي.

 

رأس مسندم

واختتمت فعاليات اليوم الأول بورقة بعنوان "الاهتمامات البريطانية برأس مسندم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر دارسة وثائقية" قدمها الدكتور صالح محروس محمد باحث ومحاضر بكلية الآداب بجامعة بني سويف قال فيها: لقد كثرت الوثائق البريطانية سواء في الأرشيف البريطاني أو الأرشيف الهندي أو المكتبة البريطانية التي تناولت رأس مسندم المتحكم في مدخل مضيق هرمز والخليج العربي؛ حيث الملاحة والتجارة في الخليج العربي وقربه من ميناء بوشهر الفارسي مقر المقيم السياسي البريطاني في الخليج وأشهر الموانئ الفارسية في القرن التاسع عشر. فتحمل أهل رؤوس الجبال مسؤولية كبيرة تجاه تنظيم الملاحة في مضيق هرمز منذ أقدم العصور وقد ازدادت الأهمية الاستراتيجية لرأس مسندم في التاريخ المعاصر بعد أن صار معبراً لـ 90% من بترول الخليج العربي إلى بلدان العالم. فبعد إعلان فرنسا وإنجلترا 1861 استقلال مسقط وزنجبار سعت بريطانيا لتطوير علاقاتها التجارية مع مسقط، فأقامت مرسى بحري بريطاني في رأس مسندم. ووضعت محطة التلغراف البريطانية في رأس مسندم. وجعلت بريطانيا من رأس مسندم محطة تجارية مهمة. ولقد استفادت شركة الهند الشرقية البريطانية التي كان لها مقر في ميناء بوشهر الفارسي منذ 1763من ميناء رأس مسندم. ووضحت الوثائق البريطانية مدى الاهتمام البريطاني برأس مسندم حيث أقامت بها محطة التلغراف ووضعت سفن مدفعية تحت تصرف المقيم البريطاني من أجل حمايتها، وأيضاً أبرزت رغبة الإنجليز في نقل مقر المقيمية البريطانية في الخليج العربي إلى رأس مسندم. وتتناول هذه الورقة الأهمية الاستراتيجية لرأس مسندم ورأس مسندم كما في الخرائط البريطانية، وإقامة مرسى بحري في رأس مسندم، وإقامة محطة التلغراف البريطانية في رأس مسندم، وشركة الهند الشرقية في ميناء بوشهر وعلاقتها التجارية برأس مسندم.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك