العلوم والقيم

 

فوزي عمار

 كاتب ليبي

هناك قيمتان في حياة الإنسان لا يمكن أن يتجاوزها هما: الحقيقة والخير، فالأولى تجدها بالعلم والتعلم الي ان تصل إلى طبيعة الأشياء وماهيتها وكننهها..  وهي سنن الله في الأرض. قال تعالي :(فلن تجد لسنة الله تبديلا). صدق الله العظيم

والقيمة الثانية قيمة الخير التي لا تستقر الأمور بدونها فهي مجموع القيم الجميلة من العدل والمساواة والتقوى والقناعة وغيرها..  ولذلك جاءت كل الأديان تحض على الخير والأخلاق كما عبر نبينا سيد الخلق حين قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لذلك النجاح في هذه الدنيا (من وجهة نظري) مرهون بالاستخدام الجيد والتداخل البناء بين هذين القيمتين؛ الحقيقة والخير.. أنهما اسم المستخدم وكلمة السر في سوفت وير هذه الحياة.

كما أن هناك نوعين من المعرفة، وهما: أولا المعرفة العلمية وثانيا المعرفة الدينية يطلق علي الأول الأبستومولوجيا وعلى الثانية الغنوصية، الأولى تجدها في المعمل وتصل اليها بالتجربة، أما الأخرى يخبرنا بها الله في الكتب السماوية والأحاديث الشريفة.

ويصل الإنسان الي المعرفة العلمية (علم الشهادة) لكنه لا يصل الي المعرفة الدينية (علم الغيب) إلا بالإيمان فلن تصل بالعلم إلى جواب عن أسئلة الروح مثلا وأين يذهب الإنسان بعد توفي الأنفس والتي لا يعلمها إلا الله. (قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) صدق الله العظيم.

والابستومولوجيا (epistemology) تعني علم العلوم أو علم المعرفة، ويعتقد أن أول من صاغ المصطلح هو الفيلسوف الأسكتلندي جيمس فريدريك فيرير وتنقسم الابستمولوجيا إلى عدة اقسام فلسفية وهي الفلسفة الوضعية، الفلسفة التفسيرية أو الفينومينولوجيا وهي فلسفة تعتمد على الشرح، الفلسفة الواقعية وهي فلسفة تقع بين الفلسفة الوضعية والتفسيرية.

 أمّا المعرفة الدينة والتي تسمي بالعرفان فهو أحد المناهج المتبعة للوصول الي الله. والعرفان من مصدر عَرَفَ فيقال عارف بالله، أي متحقق بمعرفته ذوقاً وكشفاً، ويُطلق عليه أيضاً المعرفة "اللّدنيّة" أي التي تكون من لدنّ الله؛ يقول المفكر محمد عابد الجابري: "يبدو أن العرفان نظام معرفي، ومنهج في اكتساب المعرفة، ورؤية للعالم وأيضاً موقف منه، انتقل إلى الثقافة العربية الإسلامية من الثقافات التي كانت سائدة قبل الإسلام في الشرق الأدنى... يُسمّى الغنوص Gnose، والكلمة يونانية الأصل، ومعناها المعرفة. وقد استعملت أيضاً بمعنى العلم والحكمة، غير أن ما يُميّز العرفان هو أنه من جهة معرفة بالأمور الدينية تخصيصاً، وأنه من جهة أخرى معرفة يعتبرها أصحابها أسمى من معرفة المؤمنين البسطاء وأرقى من معرفة علماء الدين الذين يعتمدون النظر العقلي". انتهي الاقتباس.

المشكل يكمن دائما عند بعض الناس فی الخلط بین الاثنین فتجد من یؤمن بالعلم فقط والعکس صحیح فتجد من یؤمن بالدین وینکر علی العلم أي دور؛ أظن أن کلامها جانبهما الصواب فلابد من الجمع بین الإثنین فکما أن الإنسان هو جسد وروح فالعلم یحاط بالجسد والدین بالروح.

بالعلم وصل الإنسان إلى القمر ونزل على سطحه ورجع منه سالما ووصل إلى علاج العديد من الأمراض واخترع لنا الدواء والكهرباء وعمر لنا الكون..

الدين نفسه يقول لنا أننا عندما نصلي فنحن نحتاج إلى أعلمنا بالقران وأحفظنا به وبالفقه لكي يقودنا في الصلاة فهو أعلمنا. والواقع والعلم يقول لنا عندما نريد أن نقوم بعملية جراحية فنحن نحتاج إلى جراح ماهر بغض النظر عن إن كان هنديا بوذيا أو روسيا ملحدا.

بالدين يمكن أن نجد فهما راسخا لمعنى الحياة فلا نقتل ولا نسرق وأن نحب لأخينا المسلم ما نحب لأنفسنا وأوصانا خيرًا بالجار فنعيش في تسامح وأمان وأن نتصدق على الفقير وذوي القربي والمساكين.

بالعلم نصل إلى جودة الحياة ونعيش حياة أكثر رغدا وأفضل ولكن دون الخلط بينهما فالخلط هنا مضر بالدين وبالدنيا معا.

العلم يبحث في النسبي وهو دائما متغير، أمّا الدين فيتحدث عن المطلق وهو دائما ثابت، العلم جاء باحثا عن الحقيقة أما الدين فجاء باحثا عن الخير.

يقول رسول الله: "إنما بعثت لإتمم مكارم الأخلاق" صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم بالعلم يمكن أن نصنع قنبلة ذرية، بينما الدين يقول لنا لا تقتلوا النفس إلا بالحق.

لقد فهم مهاتير محمد صاحب المعجزة الماليزية التي انضمت إلى النمور الآسيوية وهي الدولة المسلمة فهم الحكمة ولم يخلط بين الدين والعلم، حين سئل كيف استطعتم أن تصلوا بماليزيا هذا البلد المسلم مصاف الدول المتقدمة؟ أجاب: عندما كنا نصلي كنا نتجه إلى الكعبة وعندما كنا نفكر في الاقتصاد كنا نتجه إلى اليابان.

حري بنا هنا أن نذكر أنه ما لا شك فيه أنه كل ما ذكر في القرآن هو حقائق أثبتها وسوف يثبتها العلم لأنه من عند الله ولأنّه الوحيد الذي يجمع بين العلمين، علم الدين وعلم العلم والمعرفة. فهو عالم الغيب والشهادة كما يقول على نفسه جل جلاله.

تعليق عبر الفيس بوك