التفكير فريضة إسلامية والتكفير جريمة

 

د. يحيى أبو زكريا

التكفيريون يحاربون ربهم بالدرجة الأولى، فالله يوجد الحياة وهم ينهونها، وهو يقدس الروح وهم يمتهنونها وهو يحرّم سفك الدماء، وهم يجعلون طريقهم إلى الجنة عبر السيف، وربهم يقر أنه رحمان رحيم كتب على نفسه الرحمة، وهم حولوه إلى جزار ذبّاح نقطة ضعفه الدماء الدماء.... ولا بد من إحداث ثورة في دائرة العقل الإسلامي، فقد تحنط بالكامل وبات تابعا بعد أن كان متبوعا، وبات مقلدا بعد أن كان مبدعا، وأصبح مكفرا بعد أن كان منفتحا على كل الحضارات والأفكار، فالذي خطف هذا العقل إلى التكفير والتحجر نجح في إنتاج أكبر انفجار في الراهن الإسلامي.

إنّ الإسلام سُرِق من قبل عقل صهيوني مستعرب، وأعاد صياغته، وجرى تعميم الصياغة الجديدة للإسلام من قبل وسائل إعلام ظاهرها عربي وباطنها صهيوني، والنتيجة الخوف العالمي من الإسلام، وتحوله إلى قنبلة لقتل المسلمين بعد أن كان رافعة لهم إلى أرقى درجات الحضارة.. ويقينا لم يفهم بعض المسلمين إسلامهم، وسلموا قرارهم لدعاة النار، ودعاة الطائفية والمذهبية.. ولم يبق من الإسلام إلا اسمه كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله ..

والتكفيريون لم يطعنوا شعوبهم ومواطنيهم فقط، بل طعنوا ربهم ورسولهم، وطعنوا كل آيات الرحمة في الصميم، "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" لقد أوحى لهم الشيطان أعمالهم، فجرّهم من لحاهم فانتصروا بصيحات الله أكبر، وهم يظنون أنّهم يحسنون صنعا.

وللإشارة فإن العرب والمسلمين يملكون قدرة فائقة وقابلية مذهلة لإعادة إنتاج ما كان سببا في انهيارهم الحضاري والثقافي والفكري والاستراتيجي، وبسهولة فائقة أعدنا إنتاج بيئة الفتن الكبرى التي عصفت بالعالم الإسلامي وأنهت رقعته الجغرافية الممتدة من جبل طارق وإلى سومطرة ومن ألبانيا إلى رأس الكاب في جنوب إفريقيا.

وراهنا أيضا عندما تستلم ثورات واقع الحكم تلجأ إلى نفس ممارسات النظم الحاكمة والتي كان يشتكي منها الجميع، فمتى نتمكن من إنتاج فكر يدفعنا لا أقول مائة سنة إلى الأمام، مبدئيا نريد عشرين سنة إلى الأمام، لنخرج من دائرة الاجترار والتكرار والتقديس والتقليد الأعمى للأشخاص والمقولات.

ثم ألم ينهار العالم الإسلامي عندما توقف الاجتهاد وصدت الأبواب في وجه الإبداع والتجديد؟ إذن نحن أمام مرض خطير اسمه القابلية للفرقة والتخلف والاستدمار والاستحمار والقابلية لإنتاج نفس الأمراض.

إنّ معرفة الله هي أساس ورأس مال جميع العلوم والمعارف؛ حيث إنّ كلّ علم يتناول معرفة الظواهر المختلفة للعالم. وفي عالم الوجود ليس هناك سوى حقيقة الوجود ومظاهره وتجلّياته. إذاً فكلّ علم ـ سواء كان معروفاً أم غير معروف ـ في بدايته وخاتمته ينظر إلى حقيقة العالم ومظاهره اللامتناهية.

قرآن الله هو الذي يخدم الإنسان ويحقق تكامله وليس الذي يقتله ويدمره كما فهم التكفيريون، فكيف يخلق الله الخلق ثم يأمر بإعدامهم، كيف يكون واجب الوجود أي موجد الوجود ومفنيه، التكفيريون يقولون نحن نقتل باسم الله، يقينا لكم رب غير الذي نعرفه، الله خلق التنوع في الطبيعية ودعا خلقه لاحترام التنوع.

ولأنّ القرآن كان محفوظا وعصيا على التزوير والتحريف، فقد وجد الجميع سلطات، جماعات، فرق، مذاهب ضالتها في الموروث الروائي، فراح الجميع يضع روايات تحقق مراده وتخدم هدفه، كل بطريقته الخاصة، وهكذا بلغ عدد الروايات حدا غير معقول، كما لو أن رسول الله صلى الله عليه و آله عاش 500 سنة، وكان يتكلم 24 ساعة في اليوم.. وهذا الموروث عند كل الفرق هو الدين اليوم وهو مخالف للعقل والقرآن وطبيعة الديانات، وبعض الكتب السماوية قبل القرآن كانت لا تتجاوز بعض الصفحات بعينها.